الصوت الانتخابي النسائي.. رهان مؤثر في تحول ليبيا الديمقراطي
أكثر من مليون ناخبة تسلّمن بطاقاتهن الانتخابية، احتسابًا لما عده كثيرون عرسًا انتخابيًا يُتوج احتفالات الليبيين بذكرى الاستقلال في 24 من ديسمبر الماضي، حدثٌ، وإن تعثر؛ إلا أنه سلط الضوء على المشاركة النسائية الواسعة والواعدة في الشأن السياسي كناخبة مقابل أزيد من مليون ونصف من الرجال الذين تسلموا بطاقاتهم بشكل فعلي؛ تمهيدًا للمشاركة في التصويت.
دور نسائي متنامٍ في المشهد السياسي الليبي؛ يُناكف محددات الإقصاء والتهميش ويبحث عن دور فاعل يعكس الثقل الديموغرافي للمرأة في التكوين المجتمعي الليبي والذي يقارب 50 %من عدد السكان، وهو حضور وازن ظهر جليًا في التجربة الانتخابية الأولى للمؤتمر الوطني العام عام 2012 والتي بلغت مشاركة المرأة فيها نسبة بلغت 39% من مجموع 175 ألف ناخب و شكلت 45% من إجمالي عدد المسجلين في 13 دائرة انتخابية بعموم البلاد في الانتخابات التي شهدت إقبالاً لافتاً تجاوز 61 %.
تجربة انتخابات المؤتمر الوطني؛ رسمت آفاق مبشرة للمشاركة النسائية في الشأن العام خاصة بعد ظفر النساء بـ 34 مقعدًا في المجلس الذي يعد السلطة التشريعية الأولى في البلاد بعد الاطاحة بنظام القذافي، مستفيدة من نظام القوائم المشتركة وهو حضور حافظت عليه المرأة في انتخابات مجلس النواب عام 2014 بعدد مقاعد بلغ 32 مقعدًا بعد أن ضمن القانون المنظم للانتخابات “كوتة” خاصة للمرأة قُدرت بـ16% من إجمالي عدد المقاعد البالغ 200 مقعد، مع إقبال ضعيف على المشاركة في الاقتراع بالإضافة إلى الإحجام عن الترشح لنيل العضوية في المجلس مقارنة بانتخابات المؤتمر الوطني.
وبعيدًا عن البحث في أسباب التدني العام في الإقبال على الاستحقاقات الانتخابية أو التعاطي مع الشأن العام؛ فإن الأرقام تكشف تراجعًا لافتًا في تمثيل المرأة داخل مؤسسات صناعة القرار الليبي وحضورًا خجولاً في الوزارات والمؤسسات السيادية التي تغلب في معظمها معايير المحاصصة والتمثيل الجغرافي عن معايير الكفاءة والمُكنة العلمية رغم الدعم الأممي والدولي لتمثيل المرأة والذي ظهر جليًا في اشتراط أن تحصل المرأة على 30 %من المناصب الوزارية في حكومة الوحدة الوطنية المشكلة وفق تفاهمات ملتقى الحوار السياسي في جنيف.
تراجع؛ لا تعكسه المكاسب التاريخية التي حققتها المرأة الليبية على الصعيد التشريعي والتي تمتعت بحق الانتخاب عام 1963 وهو تاريخ مبكر مقارنة مع دول المحيط العربي، والتشريعات المتتابعة حتى وقتنا الحاضر والتي حرصت على تمثيل المرأة في المجالس التشريعية والمجالس البلدية بالإضافة إلى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور التي حددت الحضور النسوي فيها بـ10%من أصل 60 مقعدًا، وهي نسب تمثيل وإن كانت لم تحترم مبدأ المساواة بين الجنسين؛ إلا أنها شكّلت ضامنًا للمرأة التي تواجه حواجز حقيقية تمنعها من التقدم في التصويت الفردي.
حواجز اجتماعية أنتجتها تراكمات ثقافية جعلت النساء اللائي يُفكرن في الترشح عرضة للانتقاد الحاد و للتشويه في بعض الأحيان، خاصة من جانب بعض التيارات الدينية ذات الميول الأصولي وهي أفكار إقصائية تجد رواجاً وسط البيئات المحافظة التي تشكل السواد الأعظم من المجتمع الليبي، ورغم ذلك تمثل المرأة رقماً صعباً في ليبيا وقوة انتخابية معتبرة ومؤثرة أظهرتها الاستحقاقات الانتخابية السابقة وعلى رأسها انتخابات المؤتمر الوطني العام التي شهدت زخماً غير مسبوق.
ووسط التحديات التي تعتري المشاركة النسائية تغيب في ليبيا الحركات النسائية والمنظمات المدنية ذات التأثير، والتي ساهمت بشكل جذري في التجارب السياسية المقارنة في تغيير الأفكار المجتمعية النمطية وتعزيز حضور المرأة في أوساط القرار الفاعلة وهو حراك نضالي بدأ في ليبيا في وقت مبكر مع نشأة دولة الاستقلال؛ إلا أنه تعثر في ظل الدولة الشمولية التي غابت فيها المؤسسات الديمقراطية، وفقدت فيها آليات التصويت والانتخاب، لتعيد فبراير الزخم السياسي ويعود للصوت الانتخابي مركزه المؤثر في أي تغيير سياسي ديمقراطي.