الرجال يبكون في البيت الأبيض
بيير غانم
لا يحفظ مواطنو الدول العربية الكثير من الودّ للرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما وبالكاد يذكرون من هو جوزيف بايدن. إنه نائب الرئيس الحالي، وإن ذكرنا في العالم العربي جوزيف بايدن، نذكر أنه اقترح مرة تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق ليصبح دولة اتحادية.
من أجل كل هذا لدينا كل بعض العذر لكي لا نذكره بالخير.
أريد فقط أن أتوقف عند مشهد مبكٍ، فات الكثيرين، وهو الاحتفال الوداعي في البيت الأبيض لنائب الرئيس وتقليده “وسام الحرية”. أرسل البيت الأبيض للصحافيين يقول إن الرئيس يريد أن يلقي كلمة في إحدى القاعات ليقول “شكراً بايدن”. وتجمّع كبار الموظفين، وجاء الرئيس ونائبه إلى القاعة، وتحدّث أوباما أولاً، وقال “إنه وراء الأبواب المغلقة بايدن كان صريحاً “وجعل منّي رئيساً أفضل.. ولم يخف أن يقول الكلام بصراحة خصوصاً عندما نختلف في الرأي”. وأضاف أوباما “في الحقيقة، خصوصاً عندما نختلف في الرأي”.
ومعروف عن بايدن إنه يثقل في الكلام ويكاد لا يخجل بل يعتبر أن من واجبه أن يقول ما في باله في تلك اللحظة.
يعتبر الكثيرون أن نائب الرئيس ديك تشيني كان أقوى نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، لكنهم مخطئون! ديك تشيني خربت علاقته بالرئيس بوش خلال العامين الأخيرين. وأراد بوش دائماً أن يثبت أنه لا يحكم تحت سطوة أحد.
أما بايدن فبقي حتى الآن، في الأسبوع الأخير من ولاية أوباما قريباً جداً منه، وربما نرى بعد حين أن بايدن كان نائب الرئيس الأقوى والأكثر تأثيراً، لأنه الوحيد الذي بقي في مكتب أوباما بعدما ذهب الجميع، وهو اشترط أن يحضر كل الاجتماعات قبل أن يقبل اختيار باراك أوباما له نائباً للرئيس، وخلال السنوات الثماني الماضية لم يكن يوماً باراك أوباما على خلاف مع جوزيف بايدن.
هناك ما هو أهم من ذلك، أوباما الذي عاش بدون أخ، وكان جوزيف بايدن أخاه الأكبر سنّاً.
يسرد جو بايدن في احتفال الوداع وهو يبكي ويكاد لا يستطيع امتلاك نفسه أن ابنه أصيب بالسرطان في الدماغ، واضطر لترك عمله وكانت لدى ابنه مصاريف كثيرة ويحتاج الى مساعدة مالية من ابيه نائب الرئيس، لكن اباه، نائب الرئيس لا يملك ثروة ايضاً.
وخلال غداء أسبوعي في البيت الأبيض أخبر بايدن الرئيس باراك أوباما أنه ربما يبيع بيته لتغطية المصاريف! فقام أوباما عن كرسيّه وقال لنائبه جون بايدن “لا تبيع البيت .. أنا اعطيك الفلوس!”
أمام العشرات من الموظفين وأمام كاميرا التلفزيون والبث المباشر كان جوزيف بايدن يبكي ولا يستطيع السيطرة على مشاعره.
أنا أيضاً دمعت عيوني، فمن منّا لا يعرف أخاً أو اختاً او صديقاً او زميلاً، يعمل بكد ويتفانى، وعندما تصيبه مصيبة نكتشف أن هذا المتفاني لا يملك ثروة، ويضطر ليبيع سيارته أو بيته ليدفع فاتورة المستشفى؟
من قال أيضاً انهم رجال ولا يبكون؟
لو قرأ احدنا مذكرات جورج دبليو بوش، لوجد في إحدى صفحاته أمراً مماثلاً حدث بين بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد. طبعاً نحن نذكر وزير الدفاع هذا، الشرس والمتحدث غير اللبق وقائد الحرب ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
رامسفيلد كان في البيت الابيض لاجتماع دوري مع جورج دبليو بوش وانتهت مراجعة ملفات وزارة الدفاع بسرعة بحسب ما يسرد جورج دبليو بوش في كتابه، ويضيف الرئيس السابق انه، ولسبب غير محدّد، نظر الى رامسفيلد وسأله:
كيف انتم في البيت؟
وانفجر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالبكاء!
يصف جورج بوش تلك اللحظات بكثير من الحيرة ويوضح ان رامسفيلد قال له ان ابنه يعاني من الادمان على الكحول ولم ينفع معه العلاج وهو يعاني!
نستطيع أن نصف كل هؤلاء بما نريد، من استعماريين إلى أغبياء، ونستطيع القول إننا لا نحبّهم وإنهم جميعاً لا يحبوننا، لكن الآن، يجب القول أن “كل هؤلاء الرجال يبكون!”
لو لم نستطع من قبل أن نتفاهم مع عقولهم وهذا فشل، فنحن لم نستطع التفاهم مع مشاعرهم أيضاً وهذا فشل ايضاً!
سؤال أخير: هل نستطيع أن نتخيّل لماذا يبكي دونالد ترامب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العربية نت