“الرابر” و”الزكّار”.. وشوشة الشارع الليبي في زَمنَين
خاص 218
أحلام المهدي
أما “الزكّار”، فهو اسمٌ يُطلق على من ينفخ في قصبتي آلة “الزكرة”، ذاك الهائمُ مع حركة أصابعه، المتتبّع دفق أنفاسه، وهو يدور ويرسم بقدميه لحنا متّسقا مع ما تبدعه يداه، ومع حركة كل عضو في المجموعة، من ذاك الذي يدقّ على “الدّنقا” المعلّقة في جِيده أو “الدربوكة”، حتى المصفّق الذي يكتفي بالدوران مع الجميع مرددا معهم نفس الأغنيات.
وبالغوص في كلمات هذا النوع من الغناء الشعبي المنتشر في غرب البلاد، نجد أنه يركز بالدرجة الأولى على الجانب الاجتماعي والعاطفي في حياة الليبيين، حتى أن بعض الأغنيات تعجّ بالمفردات الجنسية وقصص الحب المتأججة في الحديقة الخلفية للبيت الليبي الذي تحافظ واجهته على نوعٍ من طهارةٍ هشّة.
مثل هذه الأغنيات طورت نفسها وتماهت مع حنجرة “الزكّار” الذي موّه بعض كلماتها البذيئة بطريقة غنائه المعتمدة على توزيع نفَسه الطويل على أكثر من مكان، فكان يبتلع بعض الحروف ويخنق البعض الآخر، ويلوك الكلمات حتى لا تعود واضحة، للجميع على الأقل، لكن هذا الفنّ ظلّ يدور في حلقة المحلية، ليكون ليبيا خالصا.
وهكذا هي أغنيات “الراب” في ليبيا، كانت بداياتها مع قصص الحب التي يحرّمها المجتمع، والفراق الذي تفرضه الظروف، ورغم أن “الراب” فنّ غربي بعيد عن البيئة الليبية إلا أنه فرض نفسه في المشهد الفني الليبي، ليصبح له نجومه الذين يحظون بجماهيرية كبيرة في أوساط الشباب خاصة.
وحتى الآن يتساوى الزكار والرابر في تمردهما على السلطة الاجتماعية، وفي الوقت الذي ظل فيه “الزكّار” يردد نفس الأغنيات منذ عشرات السنين، قفز “الرابر” ليحط في جانبٍ آخر مسكوت عنه أيضا في ليبيا، وهو السلطة وكل ما يطرأ على المشهد السياسي، ليهجر “الرابرز” حبيباتهم، وبدلا من كتابة رسائل العشق نجدهم يوجهون كلامهم اللاذع إلى كل من يحاول وضع لمسته السوداء على صفحة الوطن.
فمن “دموع الحب” إلى “حرة يا ليبيا”
ومن “آسف يا قلبي” إلى “ليبيا اليوم ليبيا الغد”
لنلاحظ في الوقت نفسه أن الزكرة التزمت الحياة الاجتماعية، واكتفت بإشاعة الفرح بأنغامها الواضحة وكلماتها المبهمة، والتصقت بالمناسبات الاجتماعية دون أن تبرحها إلى عفن السياسة، إذا ما استثنينا بعض الأغنيات والأناشيد مثل “جماهيرية سلطة شعبية” التي لو كانت وقتها توجد “أوركسترا” في ليبيا لعزفتها صاغرةً !