الدراما الليبية.. من “الهاربة والعمارة” إلى محاولات فردية للإنقاذ
خاص 218| خلود الفلاح
ما هي الصعوبات التي تواجه الفنان الليبي؟ هل لدينا دراما؟ هل هناك مُغامرة فنية من شركات الإنتاج؟
كل الضيوف في هذا التقرير اتفقوا على غياب الممثل المثقف، والنص، والدعم المادي.
تسويق وتدريب وقوانين:
يقول المخرج والممثل، أحمد إبراهيم، إن الممثل الليبي يعاني من التهميش، واختلاط الغث بالثمين، ومن عدم وجود محفزات الانتاج، ولا سوق للتوزيع.
وأضاف: هذا الفنان مُعرّض للتكبيل والتكميم، كما تفتقد الساحة الفنية لأخلاقيات المهنة وآدابها، فالأمزجة الشخصية والمنفعة هي مقياس التعامل، فلا احترام لكبير ولا مساندة لصغير، والملتقيات والمهرجانات فرصة لتلاقي الأحباب؛ لهذا تأتي وتمضي دون تحقيق أي تأثير أو نجاح حقيقي.
وأردف: لا وجود لما يمكن تسميته دراما ليبية تستطيع أن تنافس الدراما في الدول الأخرى، وفعلاً فإن الدراما الليبية تعاني وعدم وجود شركات إنتاج خاصة كبيرة قد يكون سببًا رئيسًا. وما نشاهده من أنشطة بعض أصحاب مشاريع دكاكين الإنتاج هي محاولات بلا قيمة فنية. وإن كانت مصدر رزق موسمي للفنانين. هذ المجال يحتاج إلى نقابة وقوانين ولوائح تنظيمية وبنى تحتية ومراكز تأهيل وتدريب وإعداد.
في المقابل، يؤكد المخرج، محمد بلعم، عدم وجود بيئة فنية بمعنى منتجين لهم علاقة بالإنتاج التلفزيوني بشكل احترافي. إضافة إلى عدم وجود دراما ليبية قادرة على منافسة الدراما العربية بسبب عدم وجود شركات إنتاج وتسويق بشكل مهني واحترافي.
وأضاف: لدينا ممثلون جيدون وكُتاب دراما، وفريق فني يُعتمد عليه، وما ينقصنا شركات الإنتاج والتسويق، عندما نستطيع بناء دولة حقيقية لها سيادة ودستور وتحترم الفنون والآداب؛ عندها فقط يمكن الحديث عن الصعاب التي تواجه الفنان الليبي.
وأوضحت الفنانة، زبيدة قاسم، أن الفنانة الليبية اليوم تحظى بكل احترام وتقدير، على عكس ما كان عليه جيلها من الفنانات فترة السبعينيات.
وأضافت: كان عمل المرأة في المجال الفني بمثابة وصمة عار. ويمكن حتى أن تصبح مرفوضة من الجميع إن ظهرت على شاشة التليفزيون، وخشبة المسرح. ورغم كل الصعوبات التي واجهتنا؛ أكملنا طريق الفن بكل ثقة.
وأردفت: اليوم، هناك أعداد كبيرة من العنصر النسائي في المجال الفني، ولكن للأسف دون تأهيل كافٍ للعمل في هذه المهنة. والسبب غياب الفرق المسرحية الأهلية التي كانت تصقل موهبة الفنان.
وتابعت: نعم، لدينا مخرجون، برأيي هم أفضل بكثير من غيرهم في الدول الأخرى، ولديهم القدرة على تقديم دراما بأرقى المستويات الفنية. ولكن في ظلّ غياب شركات الإنتاج، والسيناريست الجيد، أعتقد يلزمهم الكثير من الوقت.
صناعة مهملة:
يقول رئيس اتحاد المنتجين الليبيين للإذاعة والتلفزيون الفنان الهادي البكوش: الصعوبات التي تًواجه الفنان الليبي تتمثل في الاستمرارية، وعدم توفر الأعمال الدرامية، وقلة الإنتاج، وعدم اعتماد الصناعة الدرامية كصناعة استراتيجية للدولة.
وأعرب “البكوش”، عن أسفه لعدم وجود صناعة الدراما بالمعنى الصحيح لهذه الصناعة المهمة. ما هو موجود مجرد محاولات فردية لبعض المخرجين والمنتجين، لكنها ليست بتلك الأهمية الاستراتيجية للدولة الليبية،
وأضاف: صناعة الدراما أصبحت في هذا العصر تحديدا من ضمن الصناعات المهمة للدول وضمن استراتيجية اقتصادها فهي تعتمد على جيش من الفنيين والفنانين والمخرجين والكُتاب وتفتح آلاف البيوت. ولها موارد كبيرة تعادل الصناعات الثقيلة في البلدان المهتمة بهذه الصناعة فهي صناعة العصر وسلامه الناعم.
وأكد “البكوش”، أن هناك أسباب كثيرة تعاني منها الدراما الليبية أولها عدم وجود بنية تحتية لهذه الصناعة التي ليست من الأولويات للدولة، هذه الصناعة تحتاج لعدد كبير من الممثلين، والفنيين، والتقنيين. ورأس المال عادة جبان، حتى إن وجد منتج ما ولديه القناعة بالإنتاج فهو يقترب منها بحذر ولهم أعذارهم في ذلك أيضا.
ويشير “البكوش”، إلى افتقاد هذه الصناعة للكاتب حتى يتمكن المنتج من اختيار الأفضل من النصوص المعروضة، الدراما عادة لا تعتمد على كاتب واحد أو أثنين بل يجب أن يتوفر العديد من الكُتاب وورش خاصة بإعداد السيناريو والحوار.
وأضاف: لا أعتقد أن هناك محاذير أو ما يسمى بالخطوط الحمراء في الدراما الليبية والسبب هو عدم نهوض هذه الصناعة، أما الخطوط الحمراء الاجتماعية كالمشاهد المخلة أو الإباحية مثلاً، هذه متعارف عليها أن مجتمعنا يرفضها. ولكن الخطوط الحمراء السياسية الآن ليست بتلك المشكلة التي كانت تواجهنا سابقًا، وفي ظل تطور صناعة الدراما اليوم، والتي تخطت حاجز الإقليمية والمحلية، أصبحت متحررة من أي خطوط حمراء مع المنصات الرقمية التي ثبت عبر الفضاء مثل “نتفليكس وشاهد” وغيرها.
الأزمة في المال:
وقال الفنان حسن السعداوي، من ناحيته: ما يواجه الفنان الليبي عدم وجود حركة إنتاج فني مستمرة طوال العام، إذ يبقى الفنان بلا عمل إلى أن يقترب شهر رمضان، وهذا طبعا لن يقدم فن وفنانين حقيقيين.
وأضاف: من ناحية النصوص؛ لا يوجد لدينا نصوص للدراما. مع وجود استثناء كالعمل التاريخي “زنقة الريح”، لدينا إمكانيات فنية وينقصنا الكاتب المحترف، وشركات إنتاج كبيرة.
أمّا الفنان صلاح الأحمر، فقد قال: ما يواجه الدراما الليبية وأسهم في عدم انتشارها محليًا وعربيًا هو غياب الجهات الراعية للمشهد الثقافي العامة والخاصة. ويرجع ذلك إلى قصور فكري وأدبى عند المسئول، غياب الأنشطة الفنية مثل المهرجانات المسرحية، ودور العرض أقفلت وتحوّلت إلى محال تجارية لبيع السجائر والشاورما، وبدل من أن تتحول مقار الفرق المسرحية إلى بيوت ثقافة وفن وأدب؛ تعثرت في عروضها.
وتابع ضيفنا: ليبيا بلد يزخر بالمواهب الإبداعية وكان لها السبق في كثيراً من الأعمال العربية والعالمية وخير شاهد تميز الفنانين الليبيين في شريط الرسالة، والأزمة الحقيقية هي في قلة الإمكانيات المادية بالدرجة الأولى. لدينا كُتاب وتقنيين يتفقون على أقرانهم من الدول العربية والشواهد كثيرة.
الخروج من المحلية:
بدوره، قال الصحفي عصام شعيب: الدراما الليبية قادرة على المنافسة إذا توفرت عدة عوامل أهمها الدعم المادي، والاستمرارية، والتسويق الفني الذكي، والمشاركات الخارجية بالمهرجانات العربية والدولية، وإقامة الدورات وورش العمل المتخصصة، واستقطاب المواهب.
وأضاف: الدراما الليبية لها تاريخ مقارنة ببعض الدول العربية حديثة العهد بالدراما، نحن قدمنا أعمالاً مثل “القضية، والهاربة، والسوس، وعايدة، ومن القاتل، وفندق البخلاء، والمفسدون بالأرض، والعمارة، وعائلة دردنو، والساهرون”، وغيرها من الأعمال الخالدة في ذاكرة المشاهد الليبي، وكل هذه الأعمال لها قيمتها الفنية والثقافية فهي مستمدة من الواقع المعاش عكس الأعمال الدرامية العربية الأخرى التي كانت تعرض بتلك الفترة.
وأردف “شعيب”: الدراما مجال رحب وواسع ودائما ما تشهد الجديد والمتجدد، ويجب علينا أن نفكر مستقبلاً، ونضع أهداف عملية وعلمية للارتقاء بها ونُوسّع من دائرة الجمهور المستهدف ونخرج من المحلية إلى الخارج ليتعرف العالم على ثقافتنا وفننا النابع من هويتنا الليبية الأصيلة.
وطالب “شعيب”، بضرورة التغيير من نظرتنا الضيقة لمفهوم الدراما ودورها، بقوله: لقد أصبحت اليوم صناعة وتعتبر من أهم الاستثمارات الناجحة فبعض الدول وبطريقة ذكية وظّفت كل إمكانياتها المادية والبشرية لنجاحها وهذا التوظيف كان في محله ومبني على قراءة مستقبلية صحيحة لدرجة أن الدراما أضحت عندهم أحد أهم مصادر الدخل القومي.
وتابع: تركيا التي حققت قفزة كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة بتصديرها “150” مسلسلًا تصل إيراداتها من وراء مسلسلاتها نحو “مليار” دولار بحلول العام 2023.
وقال: مع هذا كله؛ لابد أن نعترف أننا نعاني أيضا من القطاع الخاص المتمثل في شركات الانتاج الفني الوهمية التي لا أساس لها على أرض الواقع وهي مجرد عقود وشنطة أوراق وختم شركة فقط مع احترامي وتقديري لبعض الشركات الحقيقية والمعروفة وعددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وكذلك غياب أو تجاهل كامل للقنوات لإنتاج أعمال درامية.
واختتم بالقول: الدراما لها خصوصية ومجال الإبداع فيها واسع ويُمكن أن ننطلق منها بأفكار وأعمال جديد، خاصة ونحن نملك أهم عناصر نجاحها.