الحرب “قلق معرفي”.. وشاي اللوز والكاكاويه “حَيرة”
مروان العياصرة
دعونا من الحرب قليلا..
ما الذي تفعله هذه الحرب الرصينة التي تمد لسانها لنا، غير أنها تعكر مزاج الذاكرة..
أنا عن نفسي لا أثق كثيرا بأحاديث الحرب.. تبدو مثل “حوار الطرشان” غير مفهومة وتضيِّع الوقت، وتتلف الأعصاب.. وتجعل فكرة “الصواب” ملتبسة بفكرة “الخطأ”..
أي الصواب خطأ، وأي الخطأ صواب إذن.. ؟
ليست هذه حيرة، فالحيرة سقف العرفان ومنتهى المعرفة كما يقول العارف الكبير محي الدين بن عربي..
قد لا نعرف.. أو أن الحرب تماماً أن لا نعرف، وربما أكثر من ذلك، أن ندخل في قلق معرفي مربك، كما لو أننا ندخل أيدينا العارية في عشّ “الدبابير”.. بحثا عن عسل.. لكن ما أقل العسل وما أكثر اللدغات..
دعونا من الحرب..
لنجرب أن نفرك أيدينا حول “الكانون” من البرد – فقط – لا من الخوف.. أن يُبطئ الجمر اللَّماع ارتجاف شفاهنا.. وأن تأخذنا حكايا الليل في رحلة عبر شقوق ذاكرة “الشيبانيين” إلى “زمان اول”.. حين كان ينام الصِّبية مبتسمين، والأمهات مشغولات – بحيرة تشبه حيرة العارف – بإنضاج شاي اللوز والكاكاوية فاحش اللذة .. أما الشباب فيحتضنون الليل تحت عباءاتهم كأنه أخ صغير مشاغب..
كل هذا الفرح القديم متى يعود..؟
نريد أن نمشي في الشوارع الكسولة النائمة في العتمة دون أن نخسر أحد.. أن نقرأ الشِّعر دون أن يشكَّ بنا أحد.. أن نحمل رواية فيها خمس نساء مختلفات دون أن يتهمنا أحد.. أن نرتاد المساجد بلا توجس.. أو نزور الكنيسة بلا تردد..
أن نخطئ في احتساب المسافة بيننا في صورة تذكارية دون أن يُقال.. هذا اختلاط ومنكر..
ماذا لو كان الرصاص فقط في دروس التاريخ .. ماذا لو “وقع” صبي يافع في الحب بحسن نيه.. ماذا لو قالت “بنت” : هذا المساء رومانسي وحالم.. أو قال رجل أنا إسلامي .. وقال آخر أنا ليبرالي.. ليس هذا حراماً.. فدعونا نختلف .. ودعوا الحرب جانبا.. لأن الدم لا يغسل الأفكار مهما كان كثيرا وساخنا ..
الأوغاد وأصحاب النوايا الآثمة فقط هم من يعتقدون ذلك..