الجيش الليبي.. ذكرى تأسيس وحلم متواصل
ربما يحلم الليبيون اليوم أن يكون هنالك جيش موحد لهم يحمي أرجاء البلاد وحدودها، لكن ذلك لم يكن حلماً قبل عقود، بل واقعاً تحقق بجهود مضنية من الآباء المؤسسين للدولة الليبية.
في نهاية الثلاثينيات، بعد سنوات على إعدام شيخ الشهداء “عمر المختار”، وتراجع المقاومة داخل ليبيا، بينما كانت البلاد ترزح تحت الاحتلال الإيطالي، عمل مجموعة من رجال القبائل على تأسيس جيش للتحرير تحت قيادة الأمير – حينها – إدريس السنوسي.
في التاسع من أغسطس عام 1940، وجد الحلم طريقه ليصبح واقعاً، لتبدأ الحرب ضد الإيطاليين بمساعدة بريطانيا، إلى أن تحرر إقليم “برقة” في وقتها، ومن ثم الوصول إلى تحرير طرابلس في مطلع عام 1943.
سنوات شهدتها ليبيا للحصول على استقلالها، بداية من استقلال إمارة برقة وحدها في بداية يونيو 1949، إلى حين إعلان المملكة الليبية المتحدة تحت التاج السنوسي في 24 ديسمبر 1951، وسط جهود حثيثة بذلها رجال تلك الحقبة للخروج بدولة تعاني الأمرين من نفق مظلم.
في عام 1952، وفي التاسع من أغسطس أيضاً، أعلن عن الحلم الليبي، تأسيس الجيش الليبي، لحماية كامل التراب، وبداية مسيرة حقيقية لقوة احترافية للدولة الليبية، بدأت بعدها مسيرة التدريب والتكوين، وتولى مهمة أول رئيس أركان وقتها العقيد عمران الجاضرة الحاسي.
بعد ذلك بعام واحد، في سنة 1953، افتتحت المدرسة العسكرية في مدينة الزاوية غرب البلاد، وتبع ذلك إرسال دفعات إلى خارج ليبيا للتدريب في عدد من الدول، وافتتاح عدد من المدارس والكليات في نواحي مختلفة من البلاد.
استمر الجيش الليبي، إلى أن قاد ضباط “ينتمون إليه” انقلاباً على السلطة الملكية في عام 1969، تحت تنظيم الضباط الأحرار، تصدرهم الملازم – حينها – معمر القذافي، وبدأت حقبة جديدة للجيش.
تعرض الجيش لعدد من القرارات، وسجن أعداد من الضباط، وأعدم آخرون، ودخل في حروب مختلفة، في دول أفريقية وعربية، وصولاً إلى العقوبات الدولية على ليبيا، التي فككت الجيش، وأثرت على تركيبته وتراتبيته وكتائبه.
في عام 2011، بعد أن ترهل الجيش إلى حد بعيد، وحارب القذافي المنتفضين في فبراير 2011، ببقية الكتائب الأمنية التي يمتلكها، بدأ تكوين جيش وطني ليبي، قاده حينها اللواء الراحل عبد الفتاح يونس، قبل أن يتم اغتياله.
تأسست بعد فبراير عدد من الكتائب الأمنية، رغم محاولة عدد من الضباط إعادة الجيش، لكن ذلك واجه معارضة شديدة من تيارات بعينها كما يروي شاهدون على المرحلة، وتوقف بناء الجيش، في مقابل دعم المجموعات المسلحة والدروع.
في 2014 بدأت محاولة جديدة بقيادة اللواء – حينها – خليفة حفتر، الذي قاد حرباً ضد المجموعات الإرهابية في مدينة بنغازي، وبدأ في تكوين نواة جيش وطني، رفقة عدد من الضباط من مختلف أنحاء ليبيا.
اليوم في 2018، وبينما الليبيون ينتظرون جهود توحيد الجيش الوطني، في أرجاء البلاد، وبينما يجري ضباطه جلسات متقطعة منذ قرابة عامين في القاهرة لتنفيذ هذا الهدف، تبقى ذكرى تأسيس الجيش الليبي مناسبة عزيزة على قلوبه، وحلماً، ربما لا يرونه بعيد المنال.