الجزائر.. انخراط في الملف الليبي تعززه عوامل متداخلة
شهدت الدبلوماسية الجزائرية نشاطاً لافتاً في الآونة الأخيرة، يدفع باتجاه تعزيز حضورها في الملف الليبي ومحاولة طرح رؤية جزائرية خاصة للحل، تقوم على الشراكة الإقليمية مع دول الجوار بوصفها الدول الأكثر تضرراً من تدهور الأوضاع وانسداد أفق الحل السياسي في ليبيا، مع الإشارة في ذات الوقت لأفريقية الأزمة ومنح دور أوسع للجهود الأفريقية عبر آليات فض النزاع المعتمدة في هيكليات الاتحاد الأفريقي، بالتناغم مع الدور الأممي الذي تراه الجزائر ضامناً لأي اتفاق سياسي مرحلي يقود لإنهاء الأزمة المتصاعدة في ليبيا.
ولكن لماذا كانت الجزائر الأقل ضلوعاً في الملف الليبي، وما سر التحرك الدبلوماسي الذي بدا أكثر نشاطاً وجرأة في بيان المواقف حول القضية الليبية؟
تحجيم الدور المغربي
تشكل العلاقات الجزائرية المغربية عقدة حقيقية في الفضاء المغاربي ومجال تنافس جيوسياسي، فالقطيعة بين البلدين عطلت عملياً دور اتحاد المغرب العربي وحولت ملف الصراع بين البلدين لأحد أشد الملفات سخونة وتطوراً، مع نجاح المغرب في تحقيق اختراقات دبلوماسية عززت من سيادتها على الصحراء المغربية وعمقت علاقاتها مع الدول الفاعلة على الصعيد الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي شهدت العلاقات بينها وبين المغرب إبان حكم الجمهوريين تقارباً تاريخياً، وهو التقارب الذي منح المغرب دفعة للعب أدوار في ملفات إقليمية، وعلى رأسها الملف الليبي باحتضانها اتفاق الصخيرات والمشاورات المتكررة بين مجلسي النواب والدولة، وهو دور يثير حفيظة الجار الجزائري الذي يرى في تنامي الدور المغربي عاملاً يضعف حركة الجزائر في جوارها الجغرافي، ويحجم من نفوذها وهو ما دفع الجزائر لتنظيم مؤتمر الجوار الليبي الذي كان مخططاً له أن يعزز الثقة في نتائج الانتخابات الوطنية التي كان مقرراً إجرؤها في 24 ديسمبر الماضي، قبل أن تنتهي للفشل ورغم تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه لا يمكن لأي تسوية سياسية أن تتم في ليبيا دون مشاركة الجزائر، كانت المغرب أكثر قرباً لليبيين الذين اختاروها لعقد لقاءاتهم، وهو ما اعتبر فشلاً للدبلوماسية الجزائرية وفشلاً أمنياً حملته السلطات لمدير الأمن الخارجي الجزائري اللواء محمد بوزيت، الذي تم إقالته لفشله في إدارة ملفات إقليمية بينها ملف الأزمة الليبية وفق مصادر إعلامية جزائرية.
منافسة النفوذ المصري
كانت الجزائر مؤخراً أكثر وضوحاً وحزماً في دعمها لرئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، حيث اعتبره الرئيس الجزائري الممثل الشرعي للحكومة الليبية حتى بلوغ الانتخابات، وهو موقف يناقض إلى حد كبير الموقف المصري الداعم لخصمه فتحي باشاغا، كما لمح تبون في تصريح صحفي أنه أبلغ حلفاء دوليين أن العاصمة طرابلس خط أحمر، وهو ما أسهم في إنهاء الحرب التي اندلعت للسيطرة على العاصمة عام 2019، مؤكداً رفض بلاده أن تكون طرابلس أو أي عاصمة عربية وشمال إفريقية محتلة من طرف من وصفوا بـ”المرتزقة”، مضيفاً أنه حين قالت الجزائر إن “طرابلس خط أحمر، فقد كانت تقصد جيدا ما تقول والرسالة وصلت لمن يهمه الأمر”، وفق ما نقله موقع النهار الحكومي في حينه.
موقف جزائري يقف على النقيض مع الموقف المصري مع تخوف الجزائر من اقتراب تشكيلات مسلحة مقربة من القاهرة لحدودها الشرقية، مع ليبيا في إطار علاقة تبدو حذرة بين الطرفين عقب ما كشفت عنه وسائل إعلام جزائرية، من تحالف إفريقي جديد يضم الجزائر ونيجيريا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، تحت شعار مجموعة الـ 4 أو G، بمبادرة من رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، بهدف التنسيق حول قضايا القارة الإفريقية مستقبلاً، وهو التحالف الذي نشأ في ذروة الصراع المصري الأثيوبي حول سد النهضة.
الطفرة النفطية تعزز الدور الجزائري
يرى مراقبون أن الانكفاءة الدبلوماسية الجزائرية في الملفات الخارجية وعلى رأسها الملف الليبي وانشغال الحكومة بالملفات الداخلية، تعود بشكل كبير للأزمة الاقتصادية الناتجة عن تدني العوائد النفطية في اقتصاد ريعي يعتمد بشكل كبير على مبيعات الغاز والخام النفطي، وهو ما أدى لتسجيل موازنة العام 2022 عجزاً وصل إلى أكثر من 30 مليار دولار، قبل أن تنتعش الخزينة الجزائرية مجددا مع ارتفاع أسعار النفط على خلفية الحرب في أكرانيا، وبلوغ سعر برميل البترول الجزائري أكثر من مئة دولار، وهي طفرة لم تشهدها البلاد منذ 2014 بعد سنوات من سياسات التقشف وترشيد الإنفاق، ولم يندرج هذا الارتفاع في حسابات الحكومة الحالية التي بنت ميزانيتها على سعر برميل في حدود 45 دولارًا.
طفرة تعيد الجزائر لواجهة الاهتمام الدولي مع بحث أوروبا عن بدائل لوردات الغاز الروسية، والتي تشكل ليبيا والجزائر الوجهة المثالية مع إضافة عوامل القرب من السوق الأوروبية ورخص تكلفة النقل والإنتاج في هذين البلدين، وهو ما يعني تركيزا جزائريا مضاعفاً على ليبيا التي تشترك معها في حقول نفطية وغازية في مواقع غدامس، والذي سبق لشركة سونطراك النفطية الجزائرية تنفيذ عمليات تنقيب واكتشاف بالشراكة مع المؤسسة النفطية الليبية في المنطقة الحدودية المتجاورة وهي شراكة تتدفع الجزائر بقوة لتعزيز حضورها في ليبيا.
مخاوف من تمدد الخطر الإرهابي
اختبرت الجزائر خطر الساحة الليبية وتهديدها للمالح الجزائرية بعد أحداث الهجوم على حقل عين آميناس المجاور لليبيا، والذي أدى لتعطل العمل في الحقل وتهديد صناعة الطاقة الجزائرية، حيث يعد الملف الأمني من أكثر الملفات حساسية في الجزائر التي لا زالت ذاكرتها تستحضر أحداث العشرية السوداء، وتعيش الجزائر تهديدات أمنية حقيقية مع غياب شريك أمني ليبي تنخرط معه في عمليات مراقبة الأمن على الحدود وتصاعد التهديدات على حدودها الجنوبية مع مالي التي تنشط فيها جماعات جهادية، بالإضافة لحركة آزواد الانفصالية ذات التوجه الإسلامي التي تشن هجوماً على مواقع جزائرية من حين لآخر، مما يفاقم التحديات الأمنية للبلد المترامي الأطراف والذي يحاول إعادة التحكم في مسارات التحول الإقليمي بما يخدم سياساته ويعزز أمنه.