التنافس الإيطالي الفرنسي يؤذي ليبيا .. فكيف لباليرمو أن يساعدها
من: فيديريكا سايني فاسانوتي وبن فيشمان
ترجمة: فرج فركاش
منذ ثورة 2011 ضد معمر القذافي، غالباً ما كان الليبيون يلومون الجهات الخارجية على مشاكلهم المستمرة، في كثير من الأحيان، ثم المبالغة في تقدير هذه المظالم واستخدامها كذريعة لتقليل التنازلات الصعبة التي يحتاجها الليبيون أنفسهم للقيام بتحقيق سلام دائم. لكن على مدار العام الماضي، لعبت كل من فرنسا وإيطاليا دوراً أكثر تدخلاً في السياسة الليبية، مما أدى إلى تقويض مبادرة السلام التي تقودها الأمم المتحدة بدلاً من دعمها. وقد استحدثت الحكومة الإيطالية الجديدة الشعبوية إجراءات مناهضة للهجرة تهدد بإبقاء مئات الآلاف من المهاجرين محاصرين في ليبيا، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية. في الوقت نفسه، فإن التنافس الفرنسي-الإيطالي حول الهجرة، ومستقبل أوروبا، ومسألة ما إذا كانت باريس أو روما يجب أن تكون الصوت الدولي الرئيسي في الشؤون الليبية، يضاعف من المشاكل الخطيرة في ليبيا.
تنظّم إيطاليا الآن مؤتمراً دولياً حول ليبيا من 12 إلى 13 نوفمبر. أمام روما فرصة لمساعدة الأمم المتحدة في تقدم العديد من العناصر الحاسمة في جهودها السلمية، بما في ذلك تنظيم الانتخابات الوطنية الليبية والتوصل إلى ترتيبات أمنية دائمة. وعلى العكس من ذلك، إذا استخدمت الحكومة الإيطالية مؤتمرها لتهميش مبعوث الأمم المتحدة الليبي غسان سلامة، والخصام علنًا مع الفرنسيين، وتبيث سياساتها الخاصة بالهجرة، فسيزيد ذلك من إرباك السياسات الفوضوية الليبية.
إيطاليا والهجرة
لطالما كانت ليبيا مهمة لإيطاليا. وهي مستعمرة إيطالية سابقة، وهي الآن بلد عبور رئيسي للهجرة الأفريقية إلى أوروبا ومورد رئيسي للنفط الإيطالي والغاز الطبيعي. ازداد اهتمام روما بالبلاد منذ 2014-2015 ، عندما بدأ مئات الآلاف من المهاجرين، ومعظمهم من أجزاء أخرى من أفريقيا، في الوصول إلى ليبيا لمحاولة عبور الحدود إلى أوروبا.
حكومة إيطاليا الحالية هي ائتلاف شعبوي بين حركة الخمس نجوم اليسارية (M5S) والرابطة اليمينية التي تتزعم السلطة في يونيو / حزيران ، وقد أدت الحكومة، بقيادة وزير الداخلية المناهض للمهاجرين ماتيو سالفيني، إلى تقليص الهجرة. التي كانت الأولوية القصوى. على الرغم من أن أعداد الوافدين كان يتراجع بالفعل، إلا أن سالفيني وضع سياسة جديدة – رافضة جميع القوارب المهاجرة، بما في ذلك السفن الإنسانية التي تديرها المنظمات غير الحكومية، إلى أنْ توافِقَ الدول الأوروبية الأخرى على استيعاب المزيد من الوافدين. ونتيجة لهذه القيود، أصبحت حالات الغرق أكثر تكرارا، حيث تقدِّر دراسة واحدة ثمانية وفيات في البحر يوميا منذ بداية السياسة الإيطالية الجديدة، مقارنة بثلاثة فقط في اليوم في العام الماضي.
يمكن لسياسة الهجرة الجديدة في إيطاليا أن تحدث في ليبيا آثاراً كارثية. ليبيا موطناً بالفعل لأكثر من 650،000 مهاجر، وستدفعهم حملة الهجرة في روما إلى إرغامهم على البقاء هناك، مما يزيد من سوء الأوضاع المروّعة في مخيمات المهاجرين ويترك المهاجرين عرضة لأنواع أخرى من الاستغلال. أما الخطوات الأخرى التي اتخذتها إيطاليا أو اقترحتها – بما في ذلك تمويل خفر السواحل الليبي لاعتراض المهاجرين في البحر ونشر القوات الإيطالية لحراسة طرق التهريب في جنوب البلاد – فستستقطب ليبيا أكثر من ذلك.
من أجل تأمين مصالحها في البلاد ، سعت روما أيضًا إلى الاستيلاء على المبادرة الدبلوماسية – على الأقل علانية. في 31 يوليو زار رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي، وهو مبتدئ سياسي رفقة سالفيني وزعيم M5S لويجي دي مايو، البيت الأبيض، حيث أعلن عن خطة لعقد مؤتمره الخاص حول ليبيا، المقرر الآن في 12-13 نوفمبر في باليرمو . وأشاد ترامب بالحكومة الإيطالية وأقر “بالدور القيادي لإيطاليا في تحقيق الاستقرار في ليبيا وشمال إفريقيا”.
كان هذا بمثابة تأييد حاسم لكونتي، الذي يسعى إلى إزاحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باعتباره أهم قائد في أوروبا في ليبيا. ماكرون منذ أن دخل منصبه، ينظر إلى ليبيا كساحة لإظهار سياسته الخارجية بحسن نية. في يوليو 2017 ، استضاف اجتماعاً في باريس مع رئيس الوزراء الليبي فايز السراج – الذي تسيطر حكومته، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، على طرابلس بسلطة فعلية محدودة – والقائد القوي لمنطقة شرق ليبيا، الجنرال خليفة حفتر، في جهد لتنسيق وقف إطلاق النار وخطة للانتخابات الوطنية. ومع ذلك، فقد تم تنسيق المبادرة بشكل ضعيف مع المجتمع الدولي، الذي ألقى بثقله وراء خطة العمل الأكثر شمولاً التي أعلنت عنها سلامة في سبتمبر 2017. وقد دعت خطة العمل هذه إلى تجديد وقف إطلاق النار الذي تم إيقافه عام 2015 ، ودعوة إلى المؤتمر الوطني الشامل. واتفاق بين الفصائل المتناحرة في ليبيا على الموافقة على دستور جديد وقانون انتخابي، والتحضير للانتخابات بنهاية عام 2018.
عمل سلامة بلا كلل خلال العام الماضي لجمع ليبيا معا من خلال عملية الأمم المتحدة الرسمية. وعلى الرغم من أن الفرنسيين يدّعون أنهم يساعدون سلامة، فإن جهودهم الدبلوماسية المنسقة بشكل فضفاض تسمح لفصائل ليبيا بأن تلعب فرنسا دورا خارج الأمم المتحدة وداعميها الرئيسيين في الغرب. في مايو 2018 ، دعا ماكرون أربعة زعماء ليبيين، من بينهم السراج وحفتر إلى باريس للتوقيع على خطة لإجراء انتخابات بحلول 10 ديسمبر، وهو تاريخ يعتبر على نطاق واسع غير عملي. سعى ماكرون لإطلاق خطة الأمم المتحدة، لكنه لم يقدم سوى سبب إضافي للمعرقلين الليبيين (بما في ذلك أولئك الذين لم تتم دعوتهم إلى باريس) لتأجيل حسن النوايا في مفاوضات الأمم المتحدة. علاوة على ذلك حدد ماكرون القمة قبل أسبوع من تشكيل الائتلاف الجديد حتى لا يتمكنوا من الحضور على المستوى السياسي.
السياسة وليست المصالح
جادل الكثيرون بمن فيهم المسؤولون الفرنسيون والإيطاليون بأن نزاعهم حول ليبيا هو نتاج لمصالح فرنسا وإيطاليا المتباينة في البلاد. حيث تكمن المصالح الاقتصادية لإيطاليا في طرابلس وغرب البلاد، التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني، بينما تصب فرنسا اهتمامها على إعادة نوع من النظام إلى الجنوب الليبي الفوضوي؛ الذي يحتوي مزيجا من المهربين والشبكات الإجرامية والإرهابيين الذي يهدد دائرة النفوذ التقليدي لباريس في منطقة الساحل، حيث يوجد 4500 جندي منتشرين حالياً. وهذا ما أدى بفرنسا إلى تفضيل حفتر النابع عن اعتقادهم أنه أفضل وضع لاستعادة الأمن واستئصال الجهاديين الليبيين.
ومع ذلك فإن الخلافات الفرنسية-الإيطالية تحركها السياسة أكثر من المصالح المتباينة في ليبيا. يعتبر ماكرون نفسه – وفرنسا – هو حامل معيار الاتحاد الأوروبي، حيث يدافع عن القيم الليبرالية والتعاون الدولي في وقت تتزايد فيه النزعة القومية الشعوبية. وبطبيعة الحال يرى أن الحكومة الإيطالية الجديدة تشكل تهديدًا لرؤيته السياسية. في خطاب ألقاه في 21 يونيو قارن ماكرون انتشار الشعوبية بـ “الجذام” وحذّر الأوروبيين ضد أولئك الذين “يكرهون أوروبا” – وهي إشارة محجبة إلى الحكومة الإيطالية. رد نائب رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو، زعيم حركة M5S ، قائلاً: “إن الجذام الحقيقي هو نفاق” ماكرون، الذي انتقد موقف إيطاليا من الهجرة في يونيو، لكنه رفض السماح لسفينة إنقاذ بها 600 مهاجر بالهبوط في فرنسا. ضاعف ماكرون من وجهات نظره في خطابه الذي ألقاه في سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلناً: “ستكون فرنسا هناك لضمان أن العالم لا ينسى أن دين القومية يؤدي دائمًا إلى الهاوية”. ومع نهاية سياسة فرنسا في ليبيا من الإليزيه، ووجود سلفيني كالشخصية الأقوى في الائتلاف الإيطالي، فمن المؤكد أن هذا التنافس سيستمر – على حساب الليبيين.
كيف نجعل مؤتمر باليرمو ينجح
يتيح مؤتمر 12-13 نوفمبر في باليرمو فرصة لإيطاليا للإسهام في عملية السلام في ليبيا، ولكن فقط إذا كان كونتي وسلفيني سيرفعان دور الأمم المتحدة ويقللان من منافستهما مع ماكرون. على الرغم من عيوبها، تبقى عملية الأمم المتحدة أفضل فرصة لتحقيق الاستقرار في ليبيا. تمكن سلامة من إغلاق بعض الفجوات المهمة بين الحكومات المتنافسة في ليبيا وحددت ما تبقى من حواجز الطرق. ومن المؤكد تقريباً أن البدء من الصفر بعملية جديدة (ومبعوث جديد) سيؤدي إلى تجدد العنف في غياب المفاوضات. ينبغي على الإيطاليين أن يدركوا أن تعزيز دور القيادة في سلامة سيكون الوسيلة الوحيدة لتعزيز مصالح روما الأساسية في مجال الهجرة والطاقة.
هناك بعض المجالات المحددة التي يمكن لمؤتمر باليرمو أن يقدم مساهمة في السلام. بعد سنوات من تجاهل ميليشيات البلد إلى حد كبير لصالح الفصائل السياسية، في سبتمبر، تفاوضت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على وقف إطلاق النار بين ميليشيات طرابلس. يجب على إيطاليا مساعدة المجتمع الدولي في البناء على وقف إطلاق النار ودفع خطة شاملة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج لهذه الجماعات المسلحة. يمكن استخدام المؤتمر لتطوير آلية للحفاظ على حوار أوسع بين المجموعات في طرابلس وخارجها، وتعزيز الدعم الدولي للجهد.
أما إدارة ترمب يجب علىيها دعم الاستقرار السياسي الليبي دون المفاضلة بين فرنسا وإيطاليا وغيرها من الأطراف الخارجية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة. لا تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تمتلك الأزمة الليبية، لكن عليها أن تلعب دوراً في حلها. في يوليو على سبيل المثال عندما سيطرت قوات حفتر على بعض احتياطي النفط في ليبيا وهددت ببيع النفط خارج شرعية المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق الوطني، الولايات المتحدة أعلنت أن مثل هذه المبيعات تنتهك قرار الأمم المتحدة وتعرِّض المشترين لعقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة . وقد عزز ذلك شرعية عملية الأمم المتحدة وأجبر حفتر على التراجع. لم يكن بوسع روما ولا باريس تحقيق تلك النتيجة دون تحذير دبلوماسي واقتصادي من الولايات المتحدة.
يجب على واشنطن أن تكون مستعدة بالمثل لمساعدة الأمم المتحدة في الحفاظ على دورها المركزي في تحقيق الاستقرار في ليبيا، بدلاً من السماح لباريس أو روما باختطاف العملية. وبهذه الطريقة يمكن لترمب تفادي التورط العميق في السياسة المختلة في ليبيا بينما (في نفس الوقت) يقدم مساهمة إيجابية .