التدخل في ليبيا هل يتحول فخا يكسر شوكة أردوغان
الحبيب الأسود
إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الأحد عن بدء إرسال جنوده إلى ليبيا لم يكن مفاجئا، كذلك ما صرح به أحد مسؤولي حكومة فايز السراج من أن التدخل التركي سيكون تدريجيا، بدا متوقعا، وبالمقابل يمكن إنهاء المعركة بسرعة قياسية، إذا وجد الجيش الوطني الليبي دعما سريعا ومباشرا من حلفائه، وخاصة العرب، لقطع الطريق أمام الأطماع التركية.
الحديث عن وصول قوات تركية بشكل تدريجي، يعني أن هناك صعوبات حقيقية في أن تصل تلك القوات في دفعات متلاحقة على متن سفن حربية. نظام أردوغان يحاول ألا يستفز أكثر مشاعر الليبيين بمشاهد وصول مسلحيه إلى موانئ طرابلس ومصراتة، وهم يرفعون علم بلادهم على أنغام “استقلال مارشي” أي نشيد استقلال تركيا، رغم أنه بات واضحا أن هناك من الليبيين من يرى الأتراك أقرب إليه من بني وطنه وجلدته، وهذه ظاهرة بدأت تتسع منذ سنوات، بعد أن تحول أردوغان إلى عماد مشروع الإخوان وخليفة الإسلاميين الذين لا يعترفون بالوطن ولا بسيادة الدولة.
إلى حد الآن على الأقل هناك ضباط وخبراء أتراك وصلوا ليبيا، وهم من يشرفون مباشرة على عناصر المرتزقة مما يسمى الجيش الوطني السوري، والذين بلغ عدد من وطأت أقدام ليبيا ألف مسلح، في حين ترجح المصادر التركية أن يصل عددهم إلى سبعة آلاف مسلح، من بينهم المئات من الإرهابيين المتورطين في جرائم حرب وخاصة ضد الأكراد السوريين وضد المدنيين العزل.
أما الحديث عن وصول وحدات عسكرية من الجيش التركي إلى مدن الساحل الغربي الليبي فليس هناك ما يؤيده إلى حد الآن على أرض الواقع، إلا إذا كانت تلك الوحدات قد وصلت إلى واحدة من دول الجوار لتتسلل لاحقا إلى داخل ليبيا مستفيدة من الفراغات الأمنية في المساحات الصحراوية الشاسعة، وهذا يبدو مستبعدا في ظل إدراك دول المنطقة لخطورة دعم التدخل التركي الذي يمثل عدوانا على الشعب الليبي تحت يافطة الانحياز لطرف سياسي وميليشياوي وأيديولوجي معزول في بلاده ومجتمعه.
ومهما يكن من أمر، فإن التدخل التركي حاصل، وأهدافه واضحة: السيطرة على ليبيا ومقدراتها، والتوسع على حسابها في الضفة الجنوبية للمتوسط، وفرض سياسة الأمر الواقع على الشعب الليبي بالتمكين لجماعة الإخوان المنبوذة، وقطع الطريق أمام الجيش الوطني في معركة التحرير والتطهير، ومنع ليبيا من أن تكون دولة مدنية وسطية ضمن محور الاعتدال العربي، والتأكيد على الانطلاقة الفعلية للمشروع الإمبراطوري العثماني الأردوغاني، حيث ولأول مرة منذ إعلان جمهوريتها عام 1923، لم يحدث أن أرسلت تركيا قوات إلى مهمة قتالية نحو بلد تفصلها عنه مساحة كالتي بينها وبين ليبيا، وكانت الحالة الوحيدة في يوليو 1974 عندما وجهت قوات لغزو قبرص التي لا تبعد عنها سوى 40 ميلا تقريبا، أما التدخل في العراق وسوريا فهو يتعلق بدولتين تشترك معهما في الحدود، وعادة ما يكون انطلاق قواتها إلى أراضيهما من قواعد متاخمة لهما.
لنقل إن التدخل التركي بات أمرا واقعا وهذا يعني أن أردوغان تحدى الجميع، ولكنه يدرك أن روسيا غير قادرة على مواجهته بسبب طبيعة العلاقات الإستراتيجية والحسابات البراغماتية بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين، العدو الذي ما من صداقته بدّ، والاتحاد الأوروبي سيكتفي بالتنديد بسبب أهمية تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة يستطيع أرودغان اليوم التعويل على صمتها، مقابل أن يكون وسيطا للتهدئة بينها وبين إيران، غير أن تلك القوى يمكن أن تدعم بشكل غير مباشر محور الاعتدال العربي في إسناده للجيش الوطني، ولو كان ذلك بالصمت على تمكينه من الأسلحة الحديثة ومن الخبرات الضرورية، وتوفير الإمكانات اللازمة لخوض معركة يمكن اعتبارها مصيرية ليس لليبيين فقط وإنما للعرب جميعا.
إن إيصال أي دعم عربي للجيش الوطني سيكون أيسر بكثير من إيصال الإمدادات للقوات التركية التي ستجد نفسها في مواجهة شعب مستعد للمنازلة التاريخية، وقطع الطريق على الدعم الموجه إلى ميليشيات حكومة السراج ممكن بقصف المنافذ الجوية والبحرية، كما أن جرّ الأتراك إلى حرب استنزاف في الجغرافيا الليبية الشاسعة سيطيح بأردوغان ونظامه بعد أن يثخن جراح اقتصاده المتعثر وصورته المهتزة.
في العام 2011 احتاج التحالف الدولي وعلى رأسه الناتو إلى 26 ألف طلعة جوية من بينها 10 آلاف طلعة قتالية والآلاف من المسلحين على الأرض وقوات خاصة من أكثر من 20 دولة، وفوق ذلك إلى ثمانية أشهر من المواجهة للإطاحة بنظام القذافي. اليوم يسيطر الجيش الوطني على مساحة أكبر مما كانت تحت سيطرة النظام في 2011، باعتبار أن المنطقة الشرقية كانت شبه منفصلة عن بقية المناطق، كما أن لديه قوة ضاربة من مختلف المدن والقبائل، وهناك إجماع من مختلف القوى الوطنية، باستثناء الإسلام السياسي وبعض القوى الجهوية الشوفينية، على مواجهة التدخل التركي، إضافة إلى أن لا عداء رسميا إقليميا أو دوليا للمشير خليفة حفتر اليوم كما كان للقذافي قبل تسع سنوات، ولا حمّى ربيع عربي تستطيع التلاعب بالحقيقة والواقع، لذلك فإن التدخل التركي سيتحول إلى فخ للإيقاع بأردوغان، وكسر شوكة أطماعه، ورده على عقابه خائبا، وفضح داعميه السريين والمعلنين، سواء في الداخل الليبي أو في خارجه، ثم الانطلاق في بناء ليبيا الجديدة بعد أن تزال عنها أدران الخيانة والعمالة والتبعية.