التداول السلمي للسلطة.. ذكرى أول رحلات ليبيا في طريق الديمقراطية
بدأت رحلة التداول السلمي للسلطة في ليبيا، يوم الثامن من أغسطس عام 2012، في أجواء ديمقراطية لم يألفها الليبيون طيلة 4 عقود من الزمن، كانت تلك الرحلة وكأنها الخطوات الأولى لتعمير أرضٍ أغرقها طوفان التغيير.
حدثٌ فارق غيَّر بتغيره ملامح الحياة السياسية في البلاد، ولفتت ليبيا حينها أنظار العالم أجمع، فأخذت الصحف والمواقع العالمية تكتبُ وتُعنون عن العرس الديمقراطي في ليبيا.
نظرة عن قرب لمراسم التسليم والاستلام
سلّم المجلس الوطني الانتقالي ممثلًا برئيسهِ المستشار مصطفى عبد الجليل السلطة إلى المؤتمر الوطني العام المنبثق عن انتخابات السابع من يوليو 2012، في حفل رمزي أقيم بالعاصمة طرابلس بحضور ممثلين عن البعثات الدبلوماسية، وكذا أعضاء المجلس الوطني الانتقالي والحكومة ورؤساء الأحزاب، وسجلت ليبيا بذلك الحفل أول عملية انتقال سلمي للحكم بعد أكثر من أربعين عامًا على الأقل، من الحكم الشمولي المطلق.
إشادة المجلس بالعملية التاريخية خلال مراسم التسليم
أشاد رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل آنذاك بالعملية وقال: إن الحدث يُمثّل لحظة تاريخية لليبيين، مُقرًا بحصول أخطاء خلال فترة العملية الانتقالية لا سيما التأخير في بعض الملفات المهمة، ولعلّ أبرزها توحيد الجماعات المسجلة تحت راية الجيش والتي كان على المؤتمر الوطني إنجازها منعًا لنشوب الصراعات المسلحة من جهة، وسعيًا لاستقرار الأمن وتوحيد الليبيين من جهة أخرى.
المجلس يُسلّم عصا الماراثون للمؤتمر فهل واصل الأخير سباق التتابع؟
في ماراثون الحريات سرعة الأداء ونزاهة اللعب أمران ضروريان لمواصلة السباق والظفر بالجائزة الكبرى؛ وهنا نتحدث عن قيادة المؤتمر الوطني العام لمختلف أمور البلاد، ومعالجة الأخطاء السياسية والأمنية على حدٍ سواء، في إطار زمني معيّن حتى يستمر التتابع.
بدأت مسيرة المؤتمر الوطني العام وبلغ سُدَّة الحُكم -بمختلف أعضائه البالغ عددهم 200 عضو- في أغسطس 2012، على أن تنتهي ولايته بعد عام ونصف العام، أي في فبراير 2013، ويُسلم السلطة سلميًا إلى مجلس النواب في موعد محدد مسبقًا بناءً على الإعلان الدستوري.
لم يعالج المؤتمر مشاكل البلاد العالقة، بل وساهم بطريقة أو بأخرى في تشتيت النخب السياسية وزيادة حدّة الاحتقان بين الجماعات المسلحة، في حين كان خطر الإرهاب يهدد ويضرب في مختلف مدن ليبيا نظرًا لاستغلال المنظمات والجماعات الإرهابية الفراغ الأمني الحاصل؛ للسيطرة على مدن بحجم بنغازي ودرنة شرقي البلاد، والتخطيط لمزاولة نشاطاتها الإجرامية.
كيف تحوّلت عصا التتابع لأداة قمعية تنبذ الديمقراطية والحريات؟
شهدت ليبيا أزمة سياسية حادّة مع اقتراب نهاية ولاية المؤتمر الوطني العام المكلف بالإعداد لانتخاب هيئة تأسيسية وتنظيم انتخابات عامة في مدة أقصاها 18 شهرا، لذلك كان من المفترض حينها أن تنتهي مهمة المؤتمر في السابع من فبراير 2013، بموجب الإعلان الدستوري، ليتسلم مجلس النواب زمام الأمور ويكمل حلقة التتابع.
تعنّت المؤتمر في قرارته وتعمّق في إفشال مبدأ الديمقراطية حين قرر في فبراير 2013، تمديد ولايته حتى ديسمبر 2014، وهو القرار الذي نسف إنهاء الفترة الانتقالية برمتها، وأدخل البلاد في دوامة فوضى لا تخلوا من النزاعات المسلحة وتعطيل أغلب مؤسسات الدولة وأهمها المؤسسة العسكرية.