البنية القبلية بين نكران الوطن واثبات الذات……….!!
د. فرج دردور
ولننطلق من العبارة القبلية: (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب)، هذه العبارة تنتهك حقوق الإنسان، وتُحرمها كل الديانات، ومنافية للأخلاق، ويرفضها العلم، لأنها تمثل الجهل والتخلف. فكل من ينتمى للعلم والثقافة، فإنه بالتأكيد يرفض العمل بمقتضياتها، وغيرها كثير مما يقرها العرف القبلي ويخالفها القانون. لهذا السبب نجد أن سفهاء القبيلة ـ مع احترامي لكم ـ يتفهون العلم والعلماء وينعتون حاملي الشهادات والمثقفين بالفارغين من (الحكمة)، لأنهم يرفضون أعراف القبيلة.
هذا وقد لاحظنا من خلال استطلاع قصير أن الأشخاص الذين يدخلون على خاص الفيس بوك لحاملي الشهادات العليا، ويقذفون الأساتذة بأقذع الأوصاف ويشتمونهم ويطعنون في شهاداتهم العلمية، أغلبهم سفهاء قبليون ترجع أصولهم لقبائل ليبية. يحدث هذا السلوك عندما يعجزون عن رد الحجة بالحجة، ولا أعمم. الأمر الذي يعد مبرراً منطقياً بالنظر للعقلية القبلية التي تحتكر الحكمة لشيخ القبيلة، الذي يستطيع بجدارته أن يضبط أفراد قبيلته تحت عباءته، ضارباً بعرض الحائط نتائج المختبرات والتجارب العلمية، ومن هنا تتسع الفجوة بين الحكمة في نظر القبيلة والعلم في نظر العلماء، ولهذا تصوب القبيلة سهام حقدها على كل متعلم يرفض أعرافها وتقبل بكل محتال يستغل جهلها في الوصول إلى السلطة.
وبما أن القبيلة تعتمد نظام المحاصصة في علاقتها مع الآخرين ومع الدولة التي تنقص من سيادتها ولا تعبأ بأنها جسم يأويها، فهي توفر لهم فرصة تقلد المناصب بشرط الولاء للقبيلة، دون مراعاة الكفاءة التي تنقصهم. وفي وجود العلاقة التنافرية بين القبيلة والعلم والعلماء، فإن من يلتف حول النظام القبلي هم أشباه المتعلمين الفاشلين والطامحين لتقلد المناصب رغم عدم أهليتهم، هذا الولاء المبني على علاقة اعتراف الطامحين بأعراف القبيلة، وقدرة القبلية على الدفع بهؤلاء الفاشلين في واجهة الدولة على قاعدة المحاصصة، هي من يشرع تزاوجهم.
هذا السلوك القبلي يضرب الديمقراطية في مقتل عندما يحرم الدولة من كفاءاتها نتيجة التخلف الذي يفرضه نظام المحاصصة على أساس الولاء، وبهذا تنتهك الحريات وتتسع دائرة التهميش، لأن الناس بطبعها ترفض عبودية النظام القبلي الذي يصادر حرية التفكير. هذه الحرية يفتقدها في الغالب المنطوي تحت مظلة النظام القبلي، الذي يسلم عقله لشيخ القبيلة كي يفكر بالنيابة عنه، ويكتفي بالطاعة العمياء، لا بل تجده يخدم ضيوف الشيخ الذي يمنعه من الجلوس في مجلسه، ويفرح عندما يصب الماء على أيديهم وهو يبتسم أثناء الوليمة، ويكتفي بتناول الفضلات، هذا إذا لم يرجع إلى بيته جائعاً مبسوطاً بخدمة شيخه.
عليه وفي ظل هذا الاستهتار بكيان الدولة واللعب بمقدراتها لأسباب مختلفة، وكلها واهية، نقول: لا قبائل ولا شيوخ ولا أعيان ولا حكماء ولا وجهاء ولا أنصار ولا كتائب ولا اسلام سياسي…..هذه التسميات تبث أنها ترتبط بالجهل والتخلف والحروب، بدليل أننا لا نجدها مستعملة في الدول الأكثر تقدماً، كاليابان وأمريكيا وأوروبا.
فلو أن القبيلة صالحة لا تقدمت في ظل نظامها اليمن، ولا تأخرت الإمارات بعدما تركتها، ولما بقيت افغانستان بين دول نووية، تقبع لوحدها في عصر الكهوف، وما وصلت اليابان إلى ما وصلت إليه، وما قادت أمريكيا العالم لو أنها تبنت نظام الهنود الحمر…
تنويـــــــــــــــه:
يتحجج كثير من القبليين للرفع من مكانة القبيلة بقوله تعالى من صورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (13).
ولو تمعنوا في الآية الكريمة، لوجدوا أن الله قدم الخصوصية الفردية على العامة، عندما بدأ (بالذكر والأنثى)، وهذا ينسجم تماماً مع أن كل فرد مسوؤل عن نفسه وسيحاسب بمفرده يوم القيامة عن أعماله، ثم قدم أيضاً الشعوب عن القبيلة، وهي الدول، وقد جاءت القبيلة عارضة في الآية الكريمة للتعارف، لا بل أن الله سبحانه وتعالي ربط التقرب به من خلال التقوى ولم يربطه بالقبيلة، ولم يوصِ بطاعة القبيلة مثلما أوصى بطاعة الوالدين مثلاً. حيث قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). وفي هذا نفي لأهمية القبيلة.
ولا أدري كيف اكتشفوا أن هذه الآية تخدم جاهليتهم القبلية. وهذا تفسيري اللغوي الذي أتحمل مسؤولية دلالته، وأقبل الإختلاف فيه.
ثم هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقع خلاف بين المهاجرين والأنصار في المدينة والرسول فيها. فقال قوم: يا لَلأنصار. وقال قوم ياَ للمهاجرين. فسمع النبي تداعيهم وصراخهم، فقال لهم: دعوها فإنها منتنة. ودعاها ب “دعوى الجاهلية”. “وفي الحديث: ما بال دعوى الجاهلية؟ هو قولهم: يا لفلان كانوا يدعون بعضهم بعضاً عند الأمر الشديد”.
يجب على الجميع الوقوف مع مصلحة ليبيا إذا أرادوا تحقيق مصالحهم الخاصة، فالأنانية لا تتجاوز منفعتها ما يعلق في ذهن حاملها من أحلام اليقظة، ويمكن التعويض عنها بالإخلاص في خدمة الوطن، فيعم الخير وتمتلئ البطن.
حفظ الله ليبيا…