الانتخابات العربية وصناعة الفوضى
محمود حسونة
الانتخابات، فعل فاصل في حياة الشعوب، وكلمة تحمل الأمل للحالمين بغد أفضل والساعين للتغيير، ينبغي أن يختلف مابعدها عما قبلها. وإذا كان البعض يعتبرها الطريق للخلاص من المشاكل والأزمات، فإنها ليست كذلك دائماً، فقد تكون وسيلة للنجاة وقد تكون وسيلة الهلاك. وسيلة نجاة في الدول التي تؤمن بالديمقراطية وتمتلك مؤسسات تحميها، ووسيلة هلاك في الدول التي تتشدق بالديمقراطية ولكنها تعجز عن حمايتها، ولديها عصابات تفوق الدولة تسليحاً وتمتلك من أدوات الترهيب ما يمكنها من نشر الفوضى وخلق الفتن حال عدم فوزها.
الانتخابات خيار تلتزم بنتائجه دول العالم الأول، وتحلم به دول العالم الثالث ولكنها لا تحترم مخرجاته، وتعد الدول العربية نموذجاً مثالياً للدول التي لا تسلم بنتائج الانتخابات لتكون غالباً وسيلة اختلاق الفوضى وليست أداة تغيير سلمي.
عدة دول عربية تعيش هذه الأيام أجواءً انتخابية، أولها العراق الذي أجريت فيه الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجاءت نتائجها الأولية مخيبة لآمال بعض القوى، فقررت أن تقلب الطاولة على الجميع واتخذت من أعمال العنف التي وصلت إلى حد محاولة اغتيال رئيس الوزراء وسيلة لتغيير النتائج، والتزمت المفوضية العليا للانتخابات بدراسة الطعون والشكاوى وأعادت الفرز بما يتوافق ومطالب المشككين، لتسفر النتيجة التي أعلنتها رسمياً نهاية الشهر الماضي عن تغيير خمسة مقاعد فقط عن النتيجة الأولية، ورغم ذلك لم يقبل الخاسرون، ليخرج هادي العامري رئيس تحالف «الفتح» المؤلف من غالبية القوى والفصائل المسلحة وأكبر الخاسرين، الأسبوع الماضي في مؤتمر صحفي منتقداً مفوضية الانتخابات ومشككاً في النتائج ومطالباً بإلغائها كحل للأزمة، وهو المطلب الذي لم يسبقه إليه أحد، وكأن الانتخابات كانت لعبة. المطالبون بإلغاء النتائج لا يدركون أنهم بذلك يتلاعبون بالدولة وينالون من هيبتها.
الدولة الثانية التي يتطلع شعبها للانتخابات آملاً أن تنهي مرحلة الفوضى والتطاحن وتحمل له الاستقرار المنشود، هي ليبيا، والتي يفترض أن تنطلق فيها الانتخابات الرئاسية 24 الشهر الجاري وتعقبها انتخابات برلمانية.
الأمل قائم ولكن الثقة مفقودة بين المناطق وبين القوى السياسية الطامعة في السلطة والساعية للاستحواذ على خيرات البلاد ومصائر العباد، ولقد عاش الشعب الليبي خلال الفترة الماضية على خبر من هنا وشائعة من هناك بشأن الترشح والمستحقين له والطعون المتبادلة والتصريحات المستفزة لطرف أو آخر، وهو الأمر الذي يجعل ملامح المستقبل ضبابية، ولا أحد يمكنه الجزم بإجراء الانتخابات من عدمه، ولو أجريت الانتخابات في الموعد المقرر فلا أحد يمكنه التكهن بعواقب إعلان فوز هذا أو ذاك، ولا أحد يمكنه إدراك دور المرتزقة والمسلحين الأجانب والميليشيات عقب إعلان النتائج.
المستقبل الليبي مفتوح على كل الاحتمالات، والتمني ليس طريقاً لتحقيق الأماني. فالاستقرار أمل وطموح، والفوضى سلاح متاح، ولعل توحد الشعب وراء الفائز أياً كان هو الوسيلة الوحيدة للعبور إلى بر الأمان.
لبنان أيضاً على موعد مفترض مع الانتخابات في مارس/آذار المقبل، وهي الانتخابات التي يعلق عليها الشعب آماله ويعتبرها وسيلته الوحيدة للخلاص من أمراء الطوائف الذين انشغلوا بصراعاتهم وتركوا الدولة تتهاوى والشعب يجوع والدولة تعيش في عزلة فرضها عليها انحياز سياسييها إلى قوى خارجية لا تريد لبنان سوى منصة لإدارة صراعاتها وورقة ضغط تستغلها الوقت الذي تشاء.
لا يلوح في الأفق ما ينبئ بإجراء الانتخابات اللبنانية في مارس /آذار المقبل، ورغم أن الشعب جاهز للانتخابات واللبنانيين في الخارج هرولوا لتسجيل أنفسهم في سفاراتهم بالدول التي يقيمون فيها، إلا أن نوايا المتحكمين في الدولة تختلف جملة وتفصيلاً عن نوايا الشعب، ولن يسمحوا بإجراء الانتخابات إلا حال تأكدهم من أنهم سيقطفونها لصالحهم.
العراق وليبيا ولبنان ليست سوى نماذج على أن الديمقراطية في العالم العربي عرجاء، وأنها مجرد لعبة في أيدي المتحكمين في بعض دولنا وليست منهج حكم، وأن المساحة بين ديمقراطيتنا وديمقراطية غيرنا كما المساحة بين السماء والأرض.