الإخوان المسلمين .. حتى النخاع !!
محمد يوسف الوحيدي
معظم النار من مستصغر الشرر .. قول مأثور تاه كغيره في كتب الأثر و ما إنتقل منها و تبعثر بين الكتب و المقالات و القصص التاريخية و مراجع الحكمة و غيرها .. فمنهم من نسب القول للإمام علي بن ابي طالب كرم الله و جهة ، و منهم من قال بل هو شطر في بيت شعر من نظم المتنبي ” كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر ” .. و كعادتنا نحن العرب نختلف على قشر الثمر و نترك اللب طعاماً هنيئاً للهوام و الدود .. و يبدو أن الإستهانة بالمعاني ، و البحث عن غير المهم أصبح ثقافة نتوارها ، و بالنتيجة أصبحت سلوكياتنا و قراراتنا مبنية على هذه الرؤية السطحية للأشياء .. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، و حتى يومنا هذا ، نحن ننظر لجماعة الإخوان المسلمين ، و نحللها و من ثم نقدمها للناس على أشكال مختلفة ، يلونها كل نظام ، و مفكري و مطبلي كل نظام ، على هواه و بالشكل الذي يريد أن يراهم عليه ، فمرة هم دعاة فتنة ، أو إرهابيون ، أو وهابيون أو اقرب للشيعة منهم إلى السنة ، أو أن الإخوان المسلمين مجموعات من المأفونين الأغبياء و الخرفان المنقادة بغير تفكير و لا خيار .. و الحقيقة أن أكبر عدو للإنسان هو الوهم ، و الإستهانة بالخصم .. و أن يكذب ليبرر العجز ، و يظل يكذب حتى يصدق كذبه .. و أعتقد أن هذه الحالة التي إنتابت معظم أقطار الوطن العربي .. سواء في فلسطين ، أو مصر أو سورية أو غيرها .. و ربما تميزت الحقبة الناصرية بشئ من التميز و ذلك بسبب قرب ناصر نفسه من الجماعة و معرفته بمسالكها و دهاليزها عن قرب .. إلا أن ما بعد الحقبة الناصرية حدث الإنفلات ، و الغش الفكري و التسميم العقلي ، من خلال كتاب السلاطين و ” كذابين الزفة ” وما أكثرهم .. بالطبع هذا التغفيل و الإستغفال من قبل النخب و زبدة المجتمعات المثقفة ، بتوجيهات من الأنظمة ، كان يصب في مصلحة الجماعة بشكل مباشر ، حيث مكنها من التغلغل في عدة نشاطات ، و تستفحل في الإنتشار عن طريق الخدمات الإجتماعية و المؤسسات الخيرية ، و الإغاثية بإسم الدين و الخير و المحبة .. و تمكنت خلال أكثر من خمسة عقود أن تبني لها أساسات و فروع إمتدت ليس فقط على رقعة الوطن العربي بل و أوروبا و الأمريكتين ..و تغلغلت في مؤسسات رسمية و غير رسمية ، من معاهد و جامعات ، و بنوك و أندية رياضية و شركات عابرة للقارات ..و الأهم و الأكثر خطورة ، أنها و على مدى أجيال ، تسللت إلى التعليم و التربية و المساجد ، حتى أضحت ” ثقافة ” !! و منذ نشاتها إهتمت جماعة الإخوان المسلمين بالمجال الاقتصادي، فعلى المستوي النظري كان لمؤسس الجماعة حسن البنا رأياً واضحا وهو أن جماعته يفترض أن تكون “شركة اقتصادية” مثلما هي “دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية..وفكرة اجتماعية”، وهذا ما حققه بسرعة إنتشار النار في الهشيم على مستوي الممارسة فقد اتجه البنا مبكرا إلى تأسيس عدد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وكانت السمة الأساسية لهذه الكيانات الاقتصادية أنها إما تتصل بشكل مباشر برسالة الإخوان وسعيه لتبليغها بأفضل وجه ( مثل شركة الإخوان للطباعة والنشر في مصر و مثيلاتها من دور نشر على إمتداد الوطن العربي متحالفة مع الجماعة لأسباب تجارية بحته حيث تحقق أرباحاً ائلة بسبب رواج كتبهم و منشوراتهم !! ) أو أنها كانت تتصل برؤيته “الإسلامية ” الكبرى والشاملة والتي يمكن أن نراها أقرب ما تكون إلى جزء من مشروع لحركة أممية ذات تأسيس “إسلامي” و بالطبع هذا التأسيس الإسلامي لم يكن سوى ذر للرماد في العيون ، فنظريات الحوكمة و الإقتصاد الإسلامي و الدولة الإسلامية و الخلافة و كل هذه الهرطقات و المناورات “الديدنوية “متعددة و مختلفة و منها ما هو أقرب للوضعي و ليس هنا مجال نقاشها .. وهو ما يمكن أن نجد صداه في نوعية الاستثمارات التي توجهت لها الشركات الإخوانية .. تركزت الاستثمارات الإخوانية والتي تطلق على نفسها لقب “الإسلامية “عموما في مجالات عدة كانت ( ومازالت) الدول العربية إما تعاني عجزا فيها أو غافلة عنها أو يستشري الفساد في مجالها و باتت في حاجة لتدخل القطاع الخاص مثل قطاع الإسكان الذي كان يعاني أزمة كبيرة بين العرض و الطلب المتزايد بفعل الإنفجار السكاني و ثقافة (تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) و التي تبنتها الجماعة كعنوان ديني لأهداف إقتصادية تجارية في الحقيقة ،كذلك إستغلال الحاجة لبناء مجتمعات و مدن جديدة كما في الخليج العربي.. و تغولت الجماعة في قطاع الخدمات الصحية ، وخاصة الوحدات الصغيرة و غالباً ما تكون ملحقة بمساجد ، و على إتصال مباشر بالطبقات الشعبية الأكثر فقراً و حاجة ، حيث لم يكن لمعظم الدول العربية بما فيها فلسطين تحت الإحتلال وقتها بنية تحتية قوية من المستشفيات والمؤسسات الطبية، وقطاع التعليم الذي بدأت تنهار منظومته الرسمية حتى كادت تعجز عن توفير القدر المعقول من الجودة، وقطاع النقل والمواصلات وكان على وشك الانهيار، وكذلك السلع الغذائية التي شهدت نقصا كبيرا..وتقريبا كل القطاعات الخدمية والاستهلاكية التي تأثرت بالانفجار السكاني وبالانسحاب السريع ليس فقط ” للدولة أو النظام ” بل و لكل التيارات و التنظيمات و الأحزاب الأخرى ، لعجزها و إنصرافها للعمل السياسي الجاف و الشعارات الجوفاء ، التي أنهكت الشعب على مدى أجيال دون تحقيق أهداف مرضية. هذا الفراغ الحادث بفضل تقصير الأنظمة و التيارات الفكرية و السياسية الأخرى ، أو بفعل الحصار الجبري كما في حالة قطاع غزة ، شكل مناخاً ممتازاً لرواج و ترعرع الإخوان بفكرهم و سلوكهم و مشاريعهم فملكوا كل شئ في قطاع غزة – على سبيل المثال – شاركوا في معظم المشاريع و إشتروا حتى الأراضي ، بل ووضعوا إيديهم على أراضي ” الدولة ” بحجة خدمة الناس و إغاثة المساكين ، و بما يرضي الله !!..و كما هو الحال في فراغ قطاع غزة و إنحسار الشرعية و إبتعاد النظام ، و قلة حيلة الأحزاب ، هو الحال في كثير من الأقطار العربية .. كان – وما زال – بحاجة إلى أن يُشغل و يُملأ ، و قد تم ومازال يتم و يعتبر فرصة يجب إستغلالها من قبل الجماعة ، والعجيب الذي لا يفوت لبيب أن الأسلوب الألمعي و الذكي ( جداً ) الذي إتبعته و مازلت أنظمتنا و تياراتنا الفكرية الوطنية و أحزابنا اليسارية و اليمينية و الشملولية في بث الدعاية المضادة و التشكيك في أموال الإخوان كمنظمة أو حركة وأموال أو ممتلكات أو مشاريع الأفراد من ( التيار المتدين أو المقرب من الجماعة ) ليس ناتجا فقط عن الحملات الدعائية المضادة للجماعة من قبل خصوم سياسيين وأيديولوجيين من مصلحتهم التخويف من الجماعة وقدراتها الاقتصادية، بل كثيرا ما يأتي من قبل بعض رجال الأعمال في الجماعة نفسها رغبة في تسويق بعض مشروعاتهم وإعطائها الشرعية أو التعاطفو من ثم الرواج خاصة مع ما تمثله الجماعة من حضور وانتشار في شرائح وطبقات اجتماعية تصلح لأن تكون سوقا مستهدفا لأي مستثمر أو رجل أعمال بمعنى أنهم يبثون الدعاية ضد أنفسهم ليشتهروا أكثر و بذلك يحولون الأنظمة و المعارضين لهم إلى خدام لمشروعهم !! . هذا في مجالات الإقتصاد و الخدمات ، و بشكل سريع ، فما بالكم في مجال بناء العلاقات العامة و الدولية القائمة أساساً على المصالح ؟ سيما الإقتصاية ، و العلاقات مع منظمات المجتمع المدني الدولية و ذات الصبغة الخدماتية و الإنسانية ناهيك عن الدينية و أضف إلى ذلك ما قاموا به خلال الخمسين سنة الماضية من بناء للأجنحة العسكرية و الفرق القتالية ، و المعلوماتية و غيرها من الأطر ذات العلاقة بالعمل التحت أرضي ذي الصبغة الأمنية !! أعتقد أن في وطننا العربي و أجهزة إستخباراته التي هي ما شاء الله تسد عين الشمس ، ما يكفي من المعلومات الأشد دقة من هذا الإستعراض السريع في هذه المساحة المحددة ، و رغم ذلك فالسؤال هو لماذا تظل كل هذه المعلومات حبيسة أدراج الإستخبارات و الإستطلاع و المخابرات و الوقائي و الجنائي و الوطني و الشرطي و اللولبي و معاهد البحث و مؤسسات التحليل و الدراسة ؟ لماذا لا يعرف الشعب حقيقة الخصم ؟ لماذا لا تحاصر و لا تنتهي ؟ هل هزمتنا الجماعة ؟ هل لا نستطيع هزيمتها ؟ و الأهم لماذا لا يتم معالجتها و السيطرة عليها و قد إستشرت في مجتمعاتنا حتى النخاع ، و هنا من حقنا أن نتساءل بكثير من الشك ، هل عجز أنظمتنا ومؤسساتنا الدينية الرسمية ( و كثير منها غارق حتى أذنيه في بحر الإخوان ) و عشوائيتها و تخبطها في المواجهة هو السبب ؟ أم أن جماعة الإخوان المسلمين وصلت حتى النخاع إلى الأنظمة نفسها و جندت قيادات أمتنا و أركان أنظمتنا ؟ ..