اقتصاد ليبيا بعد 17 فبراير.. تحت مقصلة “الفساد”
خاص 218
محطاتٌ عديدةٌ مرت على الاقتصاد الليبي بعد مرور عشرة أعوام على اندلاع ثورة 17 فبراير، كان أغلبها يصب في خانة تراجع حال الاقتصاد نتيجة عدم الاستقرار الأمني والسياسي، طيلة السنوات الماضية، الأمر الذي دعا الجهات الرقابية المحلية والدولية؛ لإعلاء صوت صافرات الإنذار للتحذير من عمليات تلاعب بالمليارات.
خلال السنوات العشر الماضية؛ رصد ديوان المحاسبة في تقاريره عددًا من عمليات الفساد، من أبرزها، التي وردت في تقرير عن عام 2017 الذي أورد فيه أن مصروفات الحكومة خلال خمسة أعوام بلغت 277، دون أثر على الواقع العام، ومازالت ليبيا تعاني أزمة صحية وخدمية ومالية، وطال الفساد قطاعات النفط والكهرباء والمصارف وغيرها، إذ سجل معظمها اختلاسات وسرقات وردت في تقارير الأجهزة الرقابة في آلاف الصفحات.
الحديث عن عمليات الفساد يقودنا إلى تقارير منظمة الشفافية الدولية، التي وضعت ليبيا، خلال السنوات الماضية، في مراكز متأخرة، إذ استقرت ليبيا في أغلب الأحوال ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فسادًا في العالم.
عن القطاع المصرفي والسياسة النقدية للمصرف المركزي؛ فقد سجلت قيمة الدينار أسوأ مستوياتها خلال السنوات الفائتة، من خلال السوق السوداء وتدهور ملف السيولة النقدية، وكان عام 2017 الأقسى؛ إذ بلغت قيمة الدينار أمام الدولار عند مستويات تسعى دنانير نقدًا ونحو 13 دينارًا بالصكوك المصرفية، متأثرة بانقسام مجلس إدارة المصرف المركزي الحاصل في عام 2014، واستمر ذلك حتى ديسمبر 2020.
وعلى صعيد قيمة الدينار الرسمية؛ فقد تراجعت بشكل ملموس أمام الدولار بالمقارنة مع السعر الرسمي الذي كان عند حدود 1,40 دينارًا قبل أن يفرض المجلس الرئاسي رسمًا على الدولار في ديسمبر 2018، بنسبة 183% للأغراض التجارية والشخصية، قبل أن يعود مجلس إدارة المصرف المركزي، آخر عام 2020 ويخفض قيمة الدينار أمام الدولار لثلاثة أضعاف عند 4,48 دنانيرًا لكل دولار.
ولم يتمكن قطبا “المركزي”، خلال السنوات الماضية، من التغلب عن أزمة السيولة واسترجاع جزء من الأموال المتداولة لدى الجمهور، والبالغة أكثر من 55 مليار، وهي أعلى بنحو أربعة أضعاف بالمقارنة مع عام 2011، إذ كانت تبلغ حينها 14,5 مليار دينار.
وسجلت إيرادات قطاع النفط تذبذبًا ملموسًا منذ عام 2012؛ بسبب الأحداث العسكرية والأمنية والسياسية؛ فشهدت الأعوام الماضية إغلاقات متكررة؛ أبرزها الإغلاق الذي استمر منذ عام 2013 وحتى 2016، وكلف خسائر عائدات متوقعة بقيمة مائة مليار دولار، عندما أغلق “إبراهيم الجضران” موانئ التصدير، وفي عام 2020 أغلقت بعض القبائل في منطقة الهلال النفطي موانئ النفط، خلال الفترة ما بين يناير وحتى سبتمبر؛ اعتراضًا على آلية إدارة إيرادات النفط في ليبيا؛ ممّا تسبب في خسارة عشرة مليارات دينار.
جهود توحيد المؤسسات؛ برزت بشكل أكبر في أواخر عام 2020، ومطلع العام الجاري، إذ عقد في ديسمبر الماضي مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، أول اجتماع موحّد له منذ عام 2014 عبر الإنترنت.
وزارة المالية؛ لحقت، في يناير الماضي، بركب المؤسسات التي تتجّه للتوحيد بعد انقسام دام ستة سنوات، وتوجت الجهود بعقد اجتماع جمع قطبيْ الوزارة بقيادة فرج بومطاري ووكيل الوزارة والقائم بأعمالها ببنغازي مراجع غيث، في يناير الماضي استضافته مدينة البريقة، بحضور مديري الإدارات من الجهتين؛ نتج عنه تشكيل لجنة مالية موحدة، دورها تقريب وجهات النظر، وفي فبراير الجاري، قالت بعثة الأمم المتحدة إن الأطراف الليبية اتفقت على اعتماد ميزانية موحّدة قدرها تسعة مليارات دينار خُصّصت لتغطية مصاريف الحكومة.
من جانبها، أشارت “الاسكوا”، وهي إحدى اللجان الإقليمية الخمس التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها أصدرته في ديسمبر الماضي؛ إلى أن التكلفة الإجمالية للصراع في ليبيا منذ عام 2011 وحتى اليوم، قدرت بحوالي 576 مليار دولار، وفقًا لسعر الصرف الرسمي؛ نظرًا لوجود أسعار صرف متعددة.
ويُنذر التقرير بأن كلفة الصراع سترتفع بشكل حادّ إذا لم يتم توقيع اتفاق سلام في السنوات المقبلة، فبحسب تقديرات “الاسكوا”؛ فإن الصراع لو استمر لخمس سنوات أخرى، ستزيد التكلفة الاقتصادية.