اعتذار
سمير عطا الله
مع بدايات استخدام الكومبيوتر وتحوله تدريجياً من اكتشاف إلى عادة، كتبت غير مرة، أنه لا علاقة لي بهذه الحداثة، كوني من جيل بعُدت به الحرفيات السابقة وصار متعذراً عليه الانتماء إلى عادات جديدة. كنت أقول ذلك بخليط من الاعتذار والافتخار، ظناً مني أن المحافظة على القديم وفاء للمودة، وإخلاص للرفقة الطويلة.
بعض الهزائم كسب. فمع الوقت اكتشفت أنني هزمت أمام تحول التكنولوجيا من خيار إلى فرض. وأصبحت أستخدم الآيباد في قراءة صحف العالم حيثما أنا في ديار الله. ولم أعد مضطراً لأن أحمل معي القاموس أو تاج العروس. وبدل أن أقوم إلى مكتبتي وأبحث في مرجع أو تاريخ أو اسم، تعلمت أن أطبع السؤال في لحظة وأتحصل الجواب في أقل. وأنا الذي لا أحفظ تاريخاً أو أنسى ذكرى، كما غنى عبد الوهاب، أصبحت في لحظة ثالثة أنقر الروزنامة فأعرف تسلسل الأيام وتوالي الأوهام. ولم أعد مضطراً إلى حفظ جدول الضرب، فقد حل عقدتي مع الأرقام، الراحل ستيف جوبس، كان في حسبانه أنه يحل مشاكل وعقد أهل الكوكب.
وفي بدايات الهاتف الجوال، انتقدت حامليه. ووعدت بأنني لن أحمله وأزعج العالم برنينه في المطاعم والقطارات والمطارات والحدائق العامة وبهو الفنادق. لكنني وجدت نفسي، منذ أعوام، أحمل هاتفين من هواتف الحمصي ستيف جوبس. ودعوني أسميه ديك الجن الحمصي.
رقم دولي للضرورة المهنية ورقم محلي لكي لا نضطر، غير المضطرين، إلى طلب الرقم الدولي ولبكته وتكاليفه. والفارق بين الآيباد والآيفون في مخترعات جوبس، أن الأول خالٍ من أي إزعاج. أما الثاني فيحتم عليك أن تتلقى إعلانات الحفاضات وإشارة بعض الغلظاء إلى مؤلفاتهم. وأحد هؤلاء يرسل إلي سؤالاً يومياً منذ ثلاث سنوات: هل تسنى لك أن تقرأ كتابي؟ الإعلانات أخف وألطف.
ما أسعد القادر على الإفادة الكبرى من عصر المعارف والمغارف المسمى «إنترنت» للاختصار. أما إذا أردت أن تعطيه عنواناً شاملاً، فأنت بحاجة إلى مجلدات قبو المكتبة الوطنية الفرنسية لكي تحيط بما يوفر. يقول المثل الإنجليزي «إذا لم تستطع أن تهزمهم، انضم إليهم». أحب أن أضيف إلى ذلك، في هذا الباب، ولا تتردد طويلاً. هذه هزيمة أهم من ألف ربح. كان وزير العدل السابق الأستاذ جوزيف شاوول يشكو إلى أصدقائه قائلاً: «إنني أقرأ عشر ساعات في اليوم، وفي نهاية اليوم أشعر أنني ازددت جهلاً».
_________________________