إيطاليا تجد طريقها للعودة إلى ليبيا
“إيطاليا وجدت طريقها للعودة إلى ليبيا”.. تحت هذا العنوان نشر المجلس الأطلسي هو مؤسسة فكرية أمريكية أطلسية في مجال الشؤون الدولية، مقالا عن فرص إيطاليا في العودة إلى المسرح الليبي من الناحية السياسية والاقتصادية.
وسلّط المقال الضوء على زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي إلى طرابلس في 6 أبريل الجاري، ولقائه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، حيث كانت هذه أول زيارة دولة لرئيس الوزراء الإيطالي منذ توليه منصبه في 13 فبراير. والأهم من ذلك، أن الزيارة جاءت في وقت تدخل فيه ليبيا مرحلة جديدة من الانتقال السياسي.
وركزت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، وإن كانت قصيرة، على عدة قضايا مهمة. وشدد على أن هذه لحظة فريدة للبلدين “لإعادة بناء صداقة قديمة”، مشيرًا إلى التعاون الاقتصادي والسياسي طويل الأمد الذي تشترك فيه إيطاليا وليبيا على مر السنين. كما أظهر رئيس الوزراء دراجي الكثير من الحماس لبدء “مستقبل” جديد والقيام بذلك “بسرعة”، مضيفًا أنه يجب “التقيد الصارم بوقف إطلاق النار”.
مصالح مشتركة
ويرى المقال أن ليبيا وإيطاليا تشتركان في العديد من المصالح المشتركة، والتي تمت مناقشتها خلال الزيارة. وعلى وجه الخصوص، تمتلك شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط استثمارات استراتيجية في ليبيا (في عام 2019 ، استوردت إيطاليا 8 في المائة من غازها الطبيعي من ليبيا). وليس من المستغرب إذن أن دراجي تحدث عن تكثيف التعاون مع ليبيا في قطاعي الكهرباء والطاقة. وتعد الهجرة من الاهتمامات الرئيسية الأخرى، التي تم التطرق إليها أيضًا إذ ذكر دراجي أنه يقدر بشدة جهود ليبيا لإنقاذ المهاجرين في البحر، ومكافحة تهريب البشر- وهي تصريحات تعرضت لانتقادات شديدة، بسبب الأوضاع في مراكز الاحتجاز الليبية.
ورجح المقال أن يتجاوز التعاون بين البلدين ما قاله دراجي والدبيبة علنًا. في الواقع، يعتقد الكثيرون أن إيطاليا ستأخذ زمام المبادرة في إعادة بناء مطار طرابلس، وهو المشروع الذي تم تكليف شركة البناء الإيطالية إينيس به قبل ثلاث سنوات. كما يشاع أن إيطاليا ستتولى بناء طريق سريعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في ليبيا، تربط تونس بمصر عبر ليبيا.
خطوة كبيرة
ورأى المقال أن زيارة دراجي إلى ليبيا خطوة كبيرة لتجديد دور إيطاليا في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط، لا ينبغي إغفالها. ربما تمهد إيطاليا الطريق لتصبح جهة فاعلة مهمة في إدارة الأزمات والتحديات في المنطقة.
قبل أسبوعين من رحلة دراجي، في 21 مارس 2021، التقى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بالدبيبة، ونائبي رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني وعبد الله اللافي، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش. وخلال زيارته تحدث دي مايو عن “المصالح الجيوستراتيجية الهامة” التي يشترك فيها البلدان، وسلط الضوء على نية إيطاليا للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد.
والجدير بالذكر أن دي مايو كان أول وزير من الاتحاد الأوروبي يزور رئيس الوزراء الليبي الجديد. وكانت الزيارة إشارة قوية بالفعل إلى أن إيطاليا مستعدة لأن تصبح شريكًا استراتيجيًا في المنطقة – وهو ما أكدته زيارة دراجي.
أسباب الشراكة
وأشار المقال إلى أن إيطاليا لديها العديد من الأسباب لتكون شريكًا حيويًا لليبيا ودول أخرى في المنطقة. على سبيل المثال، تشترك إيطاليا وليبيا في العلاقات التاريخية التي تعود إلى عام 1911، عندما احتلت إيطاليا لأول مرة طرابلس وبرقة. وعلى مدى عقود شهدت العلاقات الإيطالية الليبية نقاطًا منخفضة وعالية.
وتجدر الإشارة إلى توقيع معاهدة بنغازي عام 2008 بين رئيس الوزراء آنذاك سيلفيو برلسكوني ومعمر القذافي، وهي الاتفاقية التي جعلت إيطاليا شريكا قويا وذي مصداقية لليبيا.
وإيطاليا هي أيضًا واحدة من الدول الوحيدة التي حافظت على وجود قوي على الأرض حتى قبل الإطاحة بالقذافي، لكن بشكل خاص في السنوات القليلة الماضية أثناء اشتداد الحرب الأهلية. في الواقع، لم تغلق إيطاليا أبدًا سفارتها في طرابلس، في حين إن العديد من الدول الأخرى – بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة – فعلت ذلك. إن حقيقة أن إيطاليا احتفظت بسفير في ليبيا على مر السنين تمنحها علاقات قوية مع المؤسسات المحلية – وهي العلاقات التي تسمح للإيطاليين بوضع أنفسهم في طليعة الشراكة الأوروبية المحتملة مع ليبيا، وفق رأي المقال.
دور مأمول لإيطاليا في ليبيا
وأكد المقال أن إيطاليا تتمتع الآن بمصداقية أقوى بفضل تعيين دراجي رئيسًا جديدًا للوزراء لإيطاليا. إذ إن سجله الحافل كسياسي جدير بالثقة مستمد من حياته المهنية الطويلة والناجحة في أفضل المؤسسات الدولية في أوروبا، وعلى الأخص كرئيس للبنك المركزي الأوروبي بين عامي 2011 و 2019. هذه المصداقية المتجددة تضع إيطاليا في موقع استراتيجي في أوروبا لتصبح من جديد نقطة مرجعية للولايات المتحدة عند التعامل مع ليبيا ودول أخرى في البحر المتوسط. وفي الوقت الذي تتنحى فيه الألمانية أنجيلا ميركل ويواجه الفرنسي إيمانويل ماكرون حملة انتخابية مهمة، فإن إيطاليا هي الأنسب لتولي زمام المبادرة في تعزيز التعاون عبر الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط.
ودعا المقال إيطاليا للتصرف بشكل حاسم لتحديد استراتيجيتها في السياسة الخارجية والتنسيق مع حلفائها الأمريكيين والأوروبيين. مع تحول إدارة جو بايدن نحو الشرق، حيث يمكن لإيطاليا أن تلعب دور الوسيط في ليبيا – وهي استراتيجية قد تكون واشنطن حريصة على الترحيب بها، كما يتضح من تصريحات وزير الخارجية أنطوني بلينكين عند لقاء نظيره الإيطالي في 13 أبريل. إذا وضعت إيطاليا نفسها استراتيجيًا كوسيط لحلفائها، يمكن أن تصبح أخيرًا لاعباً رئيسياً وتساعد في استعادة الاستقرار والأمن في ليبيا – وربما في كامل البحر الأبيض المتوسط.
كاتبا المقال: كريم مزران وأليسا بافيا