إيديولوجيات الخوف وزمور رئيسا.. أو الكابووس الفرنسي الخانق
تعكس المجلات الفرنسية الصادرة هذا الأسبوع تباعدا متزايدا بين الفرنسيين وبين الطبقة السياسية والاحزاب. وهذا التباعد بحسب تحليل "مونتي كارلو" لمانشيتات المجلات الفرنسية ومحتواها بقلم نجوى أبو الحسن، يكاد أن يصبح قطيعة، ما يدعو للتساؤل حول ما الذي يحدث حقيقة في فرنسا. السؤال لا بد أن يقفز إلى الأذهان لدى تصفح مجلات هذا الأسبوع. ذلك أن السياسة وممثليها بدوا وكأنهم غابوا عن السمع ليحل مكانهم نجوم التلفزيون.
ولعل الأكثر تعبيرا هو مناداة مجلة "فالور اكتويل" بـ "زمور رئيساً" كما عنونت غلافها. و"اريك زمور" كاتب ومفكر لكنه بالدرجة الأولى مقدم برنامج تلفزيوني اشتهر بطبعه المشاكس وفكره المحافظ لا بل القريب من اليمين المتطرف.
مجلة "فالوراكتويل" جعلت من "زمور" موضوع الغلاف بعدما تبين لها أن %12 من الفرنسيين يريدونه رئيسا للبلاد وذلك وفق استطلاع للرأي قامت المجلة بتمويله بمناسبة صدور رواية خيال سياسي لـ "جوفروا لوجون" أحد صحافيي "فالور اكويل" عن نجاح زمو ر بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.
هل يحتل المثقفون مكان السياسيين؟
الظاهرة لا تقتصر على "اريك زمور" وقد لفتت إليها صحيفة "لوموند" التي خصصت ملفا للموضوع وعنونت المانشيت "هل يأخذ المجادلون مكان؟".
وأضافت "الإعلام بات يمنح المثقفين مساحات أكبر من تلك التي يخصصها للسياسيين" تقول ذلك في معرض حديثها عن صعود نجم "والبيك"، "اونفري" و"فينكلكروت" الذين باتوا يمثلون كما "زمور" تيارا فكريا محافظا يعكس قلقا متزايدا على الهوية وانكفاءا على الذات. هؤلاء المثقفون متهمون بالتواطؤ مع أفكار حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف.
الموت البطيء للأحزاب و ضحالة الخطاب السياسي
و قد نقلت "لوموند" عن "فيليب غيبير" الذي كان مستشارا إعلاميا لدى الحكومة في الحقبة الأولى من حكم فرنسوا هولاند، نقلت عنه "أن الدور المتنامي لممثلي الفكر المحافظ نابع من حالة الموت البطيء التي أصابت الأحزاب ومن ضحالة الخطاب السياسي".
الصحفي والكاتب "آلان دوهاميل" اعتبر أن الظاهرة تعود إلى "ما بعد انتخاب الرئيس فرانسوا هولاند و خيبة الأمل التي تسبب بها وصول اليسار إلى السلطة فيما اليمين يضمد جراحه. هذا الظرف كان مؤات للمثقفين، و قد نجح هؤلاء بفرض أنفسهم كبديل عن الساسة المرفوضين في معظمهم من الرأي العام".
الكابوس الفرنسي الخانق
لوموند" نشرت نداءات لمفكرين، يساريي الهوى، من أجل محاربة النمط الفكري السائد حاليا. "على المثقفين التقدميين أن يعودوا إلى الساحة" يكتب "ادوار لوي" و "جوفروا دولاغانري" في "لوموند" .أما السينمائي "رومان غوبيل"، فقد عبر في الصحيفة ذاتها، عن ضرورة الخروج مما اسماه "الكابوس الفرنسي الخانق" القائم على معاداة المهاجرين و التقوقع على الذات.
دفاعا عن ميشال اونفري
في المقابل خصص "فرانز اوليفييه جيسبير" افتتاحيته في مجلة "لوبوان"، للدفاع عن المفكر والكاتب "ميشال اونفري" الذي تعرض لهجوم من قبل صحيفة "ليبراسيون" اليسارية بسبب إعرابه عن تحفظاته فيما خص الهجرة واستعمال صورة الطفل السوري ايلان.
إلى أين سوف تذهب بنا إيديولوجيات الخوف؟
"جيسبير" هاجم بالوقت نفسه "إيديولوجيات الخوف" السائدة حاليا، "الخوف من المستقبل ومن الآخر" يقول الكاتب الذي تساءل "إلى أين سوف يؤدي بنا التشاؤم والحقد ؟..
وأيضا ما الذي جرى لنا، كي نمنع استقبال اللاجئين السوريين الهاربين من سفاحي داعش؟" أسئلة تعبر عن عمق الأزمة وحاولت مجلة "لوبوان" أن تجيب عليها من خلال تخصيص عددها لمفكر آخر هو "ريجيس دوبري" الذي صدر له مؤخرا، عن دار غاليمار "Madame H " كتاب تأملات عن التاريخ و عن أفول الإيديولوجيات.