“إليزيه”.. خاص بنا!
محمد العجمي
يستقبل الإليزيه ضيفه الجديد اعتبارا من اليوم، يعرف الضيف أنه باق لسنوات خمس قد تمدد أو لا، يدرك كذلك أن لديه الكثير من البرامج ليطبقها كي يستطيع البقاء كل هذه المدة، يفهم أن هناك نقاطاً أساسية لا يمكنه تجاوزها وإلا تنعدم إمكانية بقائه، فهو لا يقدر على انتهاك الدستور ولا الحقوق التي وصل إليها الشعب الفرنسي عبر عقود من الحراك السياسي.
يسمي الفرنسيون الدولة في الوقت الحالي بالجمهورية الخامسة، وهي التي رأسها شارل ديغول بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء حكومة فيشي النازية التي أدت إلى انقسام البلاد حين كانت توالي أدولف هتلر، هذه الجمهورية تأتي بعد محاولات عديدة لصياغة دستور ديمقراطي بداًت عقب الثورة الفرنسية في 1789 ووصلت إلى ما بعد الحرب العالمية.
لم يكتف الفرنسيون بذلك فكانت أحداث مايو 1968 التي خاض فيها الطلاب – والعمال فيما بعد – مظاهرات ضخمة طالبوا فيها بتعديلات دستورية ودافعوا عن مطالب حقوقية يعتبر كثيرون أنها أوصلت فرنسا إلى شكلها الحالي.
هذا الحراك وغيره لم يكن الأخير بل استمر الفرنسيون في خوض معاركهم السياسية داخل مجالسهم التشريعية فبعد أن كان الرئيس يحكم لسبع سنوات اختير النظام الحالي وتم تقليصها إلى خمس، وغير ذلك الكثير من التنظيم الإداري والسياسي.
ليس هدف هذا المقال بالتأكيد الحديث عن التاريخ السياسي الفرنسي، الذي يحتاج من قارئه سنوات لكي يعرف عنه ما يمكن القول إنه إدراك لصورة عامة على الأقل لما كوّن هذه الدولة.
لكن الحديث هنا عن أن ضيف الإليزيه القادم يدرك بالتأكيد ما جلبه إلى مكانه هذا، أما برنامجه الحزبي الذي أتى به إلى موضعه هذا فهو نتاج تطور سياسي دفع ثمنه الفرنسيون وقتاً ودماً.
في الوقت الذي يختار فيه الفرنسيون ساكن الإليزيه الجديد يتابع العالم هذا الحدث، بعضهم نتيجة التأثير الإعلامي، والبعض الآخر لإدراكه أهمية هذا الاختيار على الصعيد العالمي.
سيدير ضيف الإليزيه الجديد ثاني أكبر اقتصادات أوروبا، ويشارك في تحديد مصير الاتحاد الأوروبي، وسيمتد أثر سياساته ليؤثر على الاقتصاد الدولي كذلك.
سيحدث كل ذلك، وستنقله شاشات التلفاز، وسيعرف الملايين النتيجة خلال دقائق من التوصل إليها في المقرات الانتخابية.
بعد أن يستقر الضيف الجديد في الإليزيه، سيضطر إلى أن يعمل لصالح فرنسا، لكننا نحن بعد مشاهدتنا لذلك كله، لن نملك قصرنا الجمهوري الخاص بنا، لن نملك من يعمل لصالح بلادنا، لن نملك من يدرك أن بقاءه في الحكم سيكون نتيجة عمله واجتهاده، لا تشريفاً جاء وليد الصدفة، لن نملك من يقدم برنامجا خدميا متكاملا ليكسب الانتخابات، بل من يستعد لتحشيد وتجييش آلاف الشباب العاطل عن العمل و”تدجيجهم” بالسلاح لأجل أن يصل لقيادة أو زعامة الدولة.
سيحدث كل ذلك ما بين الإليزيه وهنا، وسنكون متابعين أمام الشاشات من دون أن نقوم بتغيير لنخلق إليزيه لنا أيضاً.