إعداد العدة لجبه جيل جديد من « داعش» بعد سقوط الرقة وهجمات برشلونة
مايكل دمبسي*
أعــادت هــجـــمات «داعش» الارهابية في اسبانيا التنظيم هذا الى صدارة الاهتمام العالمي. وهو خسر زخم القوة التي كان يملكها في صيف 2014 حين سرى قلق من انتصاراته السريعة وخوف من تهديده اربيل واحتمال بلوغه بغداد. ولكن هذا التنظيم لم يعد ينظر إليه على انه طاغوت عسكري لا يهزم. ويعود الفضل في التقدم بجبهه الى إدارتي اوباما وترامب والسعي العسكري والديبلوماسي والاستخباراتي الاميركي، والى تحالف مع شركاء من امثال الجيش العراقي وقوات الامن الكردية. وانحسرت سيطرة داعش على أكثر من ثلثي الاراضي التي وقعت، منذ 2014، في قبضته في سورية والعراق. ويرجح ان يخسر السيطرة على معقله في الرقة، عاصمته، قبل نهاية العام الجاري. وقلصت قاعدة عائداته، وقُتل آلاف من مقاتليه، وصار عدد المقاتلين الاجانب المتدفقين للانضواء تحت رايته في العراق وسورية هزيلاً (بعض التقديرات ترى ان العدد يقتصر على حوالى 50 مقاتلاً شهرياً). و «خلافته» تفلت من بين يديه وستتبدد في القريب العاجل.
والاغلب على الظن أن داعش يعد لقتال شرس في الرقة يدوم أشهراً، على نحو ما فعل في الموصل. ويتوقع ان يؤدي القتال هذا الى مفاقمة دمار البنى التحتية في الرقة وخسارة حياة أبرياء كثر. وتشير مؤشرات الى ان داعش سيحشد قواته في سورية في مرحلة ما بعد الرقة، على طول وادي الفرات، من جنوب الرقة عبر دير الزور ونزولاً الى القائم على الحدود العراقية. وهذه المنطقة غنية بالنفط، وكانت خارج قبضة الحكومة السورية طوال سنوات. وعلى الاغلب، سيتقهقر داعش الى جيوب صغيرة على الحدود الغربية مع سورية، ومنها الانبار، ويتمركز في مناطق قوته على مقربة من الحويجة على بعد 30 ميلاً غرب كركوك ومن حقول النفط في بعاج. وانطلاقاً من المعاقل هذه، سيشن هجمات دورية على قوات الامن المحلية، وتفجيرات في بغداد وجوارها، وسيقدم على كل ما يحمل العراقيين على الخوف ويذكرهم بأن هزيمته وقتية. ويرجح ان شطراً راجحاً من فلول مقاتلي داعش سيرابط في سورية في نهاية العام، وأن هؤلاء المقاتلين سيحاولون التخندق في مواجهة ضغط القوى التي تدعمها اميركا أو النظام السوري وحلفائه الروس والايرانيين. وسترسم هجمات داعش وبياناتها خريطة طريق نوايا التنظيم خارج سورية والعراق. ويرمي التنظيم الى النفخ في قدرته على إلهام الهجمات الارهابية في الغرب (أو على الاقل أن ينسبها اليه) وأن يعمق الروابط بين نواته وعقدها الاجنبية، وعلى وجه التحديد تلك العاملة في افغانستان على طول الحدود الباكستانية، وفي ليبيا وسيناء وجنوب شرقي آسيا (في الفيليبين).
ويخفف قادة داعش أهمية خسارة التنظيم الارض، ويحتفون بأي هجوم يشن باسمه، ويسلطون الضوء على الحاجة الى مواصلة المقاومة، ويحضون المؤيدين على الإعداد لقتال طويل ضد الحملات عليهم. وإثر احتساب هذه الاحوال، يبدو ان سبل تقويض داعش ومكافحة المرحلة المقبلة من تطوره وتحوله قليلة. و1) تمس حاجة واشنطن الى انهاء معركة الرقة. وهذا هدف مرسوم رسمته ادارة ترامب. وأرى انه أولوية. والرقة هي ابرز مدينة كبرى استولى عليها داعش، ويعتبرها موالوه وأتباعه عاصمة الخلافة، وهي مركز التخطيط للعمليات الخارجية. ولن تحول السيطرة على الرقة دون شن داعش هجمات في المنطقة وأوروبا، ولكنها ستضعف الهجمات. ولا شك في ان التنظيم هذا متكيف ومرن، ولكن خسارته الرقة ستقوض سردية قوته في ساحات المعارك. و2) حري بأميركا استباق مخاطر جديدة. فقادة داعش يدركون أوضاعهم العسكرية الهشة في العراق وسورية، ويمضون الوقت في الإعداد لتكتيكات وأهداف جديدة. وسواء كان سيلجأ الى سيارات متفجرة أو طائرات درون، يدرك التنظيم انه يحتاج الى الابتكار. لذا، على الغرب استباق هذه التكتيكات الداعشية الجديدة في الاشهر المقبلة. و3) الاولوية للحؤول دون بروز ملاذات آمنة داعشية جديدة ودون تمركزه في قلب مناطق سكنية كبرى. فاقتلاع داعش من الموصل والرقة وسرت اقتضى قتالاً عنيفاً. وجمع أميركا معلومات استخباراتية ودفاعية وديبلوماسية هو السبيل الى الحؤول دون «جنات» ارهابية آمنة. وحري بواشنطن ان تسارع الى المبادرة، سواء مع حلفاء أو قوى أمن محلية أو أحادياً، إذا بدا ان داعش يتقدم في مركز سكني. فمن اليسير مواجهة داعش قبل أن يشتد عوده ويرسخ نفوذه ويبسطه في منطقة من المناطق، وقبل أن يرسي مؤسسات حكمه ويرهب السكان ويقسر الشباب على الانضمام اليه، ويجبي عائدات من الاقتصاد المحلي والمناجم ويضع اليد على ترسانات أسلحة ومؤن، ويؤمن طرق هروب لقادته.
وعلى أميركا ان تبني قدرات الشركاء. وليس في مقدورها ان تعد كل جيش وكل جهاز امني يهدده داعش أو أن تبني المدن كلها التي يدمرها التنظيم، ولكن ثمة فائدة ترتجى من تقديم تمويل ودعم لوجيستي حيث تمس الحاجة. والتعاون الناجح مع قوات مكافحة الارهاب العراقية هو نموذج يحتذى في التعاون الدفاعي، شأن التعاون السياسي والاقتصادي والانساني مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي.
والخطوة الأبرز والأهم لتقويض جاذبية داعش هي مساهمة واشنطن في تهدئة المواجهة السنية– الشيعية– وهي (المواجهة) تنفخ في جاذبية التنظيم بين السنّة الذين يشعرون بأن القوى الشيعية السياسية تتهددهم. ولكن التوتر السنّي– الشيعي يتعاظم، ويؤججه اتساع النفوذ الايراني الاقليمي، ودور طهران في إذكاء نزاعات بالوكالة من سورية الى اليمن. وفي غياب سعي أميركي الى تحسين العلاقات الايرانية مع السعودية، قدرة واشنطن على تقييد تجنيد داعش المقاتلين محدودة. وخلصت دراسة الى ان الاميركيين يدرجون داعش (جنباً الى جنب التغير المناخي) في صدارة المخاطر على الامن القومي. ففي أميركا، ثلاثة أرباع الاميركيين المستفتين يرون ان داعش هو خطر بارز على الأمن القومي، والنسبة هذه تقتصر على 47 في المئة حين تتناول الخطر الروسي، و41 في المئة في الخطر الصيني. ولكن ثمة مغالاة في تضخيم خطر داعش. وليس هذا التنظيم أسوأ المخاطر التي واجهتها اميركا. والاغلب ان الجماعات المتحدرة من «القاعدة» في سورية واليمن أخطر، وقدراتها اكبر على شن عملية في اميركا. لذا، يجب ادراج التحدي الداعشي في إطاره الواقعي.
* باحث في شؤون الامن القومي في مجلس العلاقات الخارجية، والقائم السابق بأعمال مدير وكالة الاستخبارات القومية الاميركية، عن «فورين أفيرز» الاميركية، 18/8/2017، إعداد منال نحاس.
_________________
صحيفة الحياة