(إذا ما أجريت)
فرج الترهوني
من المقرر أن يتوجه الليبيون في 24 ديسمبر للإدلاء بأصواتهم في انتخابات يُؤمل أن تؤسس لحكومة وطنية موحدة وشرعية لليبيا لأول مرة منذ 2014. لكن حتى لو جرت الانتخابات، ولم يحدث الأسوأ المتوقع الذي تلوح بعض بوادره في الأفق، فما الذي يمكن لهذه السلطة الجديدة تحقيقه. ويظل السؤال المحرق لليبيين الذين انتظروا عشر سنين عجاف لقيام دولتهم، هو هل ستحقق الانتخابات طموحاتهم في قيام دولتهم، إذا ما أجريت؟
يبدو جليّا لكل مراقب محايد أن انتخاب هذه السلطة سيتم على أسسٍ متنازعٍ عليها في الشكل وفي الجوهر، فلا توجد أدنى درجة من الوضوح حول كيفية عملها، ولا كيف ستُقسّم الأدوار والمسؤوليات للمناصب الرئيسة في السلطة التنفيذية الجديدة، سواء في موقع رئاسة الدولة أو في مجلس الوزراء. أي أنّ الغموض الشامل يكتنف العملية الانتخابية برمتها.
وبالرغم ممّا يبدو للوهلة الأولى أن كافة فئات الليبيين والمجتمع الدولي معهم، متّحدون وراء إجراء الانتخابات. إلا أن الصراع الآن على العملية الانتخابية يجري حول من يسيطر على ماذا، فمن يتمترسون الآن في مواقع السلطة يرون في الانتخابات فرصة للحصول على مواقع متقدمة لهم، أو في نهاية المطاف سيجري التجديد التلقائي لمواقعهم. وفي جميع الأحوال فإن حماية وضعهم الحالي في هرمية السلطة يُعتبر أولوية في حال انهيار أو فشل الانتخابات. ونرى ذلك بوضوح من خلال عديد الإجراءات التي قام بها عبد الحميد الدبيبة وسلسلة السياسات الشعبوية التي انتهجها، والتي لا تخرج عن كونها تحقيق سلسلة من المكاسب، باستغلال الأموال العامة، لنيل رضا شريحة عديدة من الليبيين الذين تأثرت حياتهم سلبا خلال عشرية الفوضى وانهيار الدولة، وللحصول على دعمهم السياسي المرتقب.
أمّا خليفة حفتر الذي أجهض جهود الأمم المتحدة عام 2019 لتحقيق عملية سياسية من خلال هجومه على طرابلس، فلا يوجد ضمان أن تكون الانتخابات في المناطق التي يسيطر عليها حرة ونزيهة. وفي جميع الأحوال تذهب الآراء إلى أنه في حال عدم حصوله على العدد الكافي من الأصوات التي تؤهله للمنافسة على المرحلة الثانية، وهو المرجح كثيرا، فسيعود بلا شك إلى الثكنات ويُعلن معارضته لسلطة المنتصر، ولن تعوزه ذرائع شتى.
بالنسبة لعقيلة صالح الذي لديه تطلعات لانتخابه رئيسًا، فمن الصعب رؤية كيف يمكنه الفوز بأصوات خارج حدود برقة، بعد أن قام بإقرار “قوانين” انتخابات معيبة من جانب واحد، وعلى أساس دستوري تمت صياغته بشكل سيئ، لكن يبدو أن حساباته هي أن الخصوم سيعترضون على التصويت أو أن العملية ستفشل بطريقة ما. وهو ما يسمح له بالبقاء في منصبه وتعزيز سلطته. وكأن البلاد في حاجة إلى المزيد من الفوضى والانقسام فقد دخل سيف ابن القذافي على خط المنافسة، وعلى الرغم من أن احتمالات فوزه محدودة للغاية، إلا أن ظهوره أثار غضب الفبرايريين وزاد من إرباك المشهد الفوضوي.
الآن وبعد أن تم تفريغ منتدى الحوار السياسي من محتواه، بعد أن كان منوطا به وضع استراتيجية للتغيير السياسي، حيث يبدو أن “ديناصورات ليبيا السياسية” كما وصفتها ستيفاني وليامز قد نجحت في مسعاها لتهميش عناصر المنتدى وإفشال كل خطط الاستقرار السياسي الذي سيقوض سلطتها، يبرز السؤال الأهم وهو ماذا يريد الليبيون من الانتخابات وكيف يصلون إلى هدفهم؟
من الواضح أن التركيز على ضمان إجراء الانتخابات دون توفّر ظروف مناسبة لإنجاحها هو خطأً جسيم. لأن افتقار المجتمع الدولي للإرادة والرغبة في متابعة عملية نقل السلطة على نحو منطقي يضمن نسبة نجاح عالية سيأتي بنتائج عكسية، ومن غير المرجح التوصل إلى نتيجة حاسمة في الانتخابات المقبلة بالنظر إلى مستوى الانقسام داخل ليبيا، ولهذا على الأقل، ينبغي على المجتمع الدولي الضغط على المرشحين الليبيين للموافقة علنًا على قبول النتيجة.
بالنظر إلى التزام المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات، فيجب عليه الآن أن يبذل قصارى جهده لإنقاذ العملية التي بدأها. وبالنظر إلى ما بعد 24 ديسمبر ينبغي الإقرار بأن العملية الانتخابية، وحتى في حال إتمامها بنجاح نسبي، فهي ليست بديلاً عن إجراء حوار جاد حول القضايا الجوهرية التي أدت إلى استمرار الصراع مثل المصالحة والعدالة الانتقالية، وإصلاح الاقتصاد والحوكمة، وإصلاح قطاع الأمن، وإعادة توحيد المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.
هذه الأسئلة بالغة الحيوية ولن تختفي بإجراء الانتخابات. ولا يوجد ما يشير إلى أن المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة جاهزون للتعامل معها بجدية بعد إجراء الانتخابات (إذا ما أجريت).
فرج الترهوني