إخفاء العلاقة بـ ألف ليلة وليلة
عمر أبو القاسم الككلي
مثلما أن عمل “ألف ليلة وليلة” منغرس في ثقافات شعوب العالم المعروف آنذاك، من الهند والسند والصين إلى اليونان والرومان، مرورا بالعراق وسوريا، ومن المشرق الإسلامي إلى مغربه، فهو يمد أغصانه وظلاله ويطرح ثماره في آداب العالم حتى الوقت الحاضر.
وهذا التأثير، ويقابله التأثر طبعا، يظهر على مستويين، مستوى مباشر تظهر فيه الحكاية المأخوذة بشكل صريح أو محور قليلا. ومستوى غير مباشر يتم فيه استلهام البنية العامة للعمل.
من المستوى الأول يمكن إيراد مثال خورخي لويس بورخيس الذي يعلن عن مصدر الحكاية المصاغة بتصرف خفيف ويحرص على إيراد أسماء عربية وإسلامية لأشخاص الحكاية وأيضا أسماء مدن معروفة. مثلما فعل في قصته “حكاية حالمَين A story of two dreamers” . وتتلخص الحكاية في أن تاجرا مفلسا من بغداد حلم بقائل يخبره بأن رزقه في مصر. فسافر الرجل إلى مصر، وفي سياق وقائع معينة يحضره الوالي بين يديه، بعد أن يكون قد ضربه بالمقارع وسجنه ثلاثة أيام، ليسأله عن سبب مجيئه إلى مصر، فأخبره بالحلم. فضحك الوالي وقال له هذه أضغاث أحلام، فأنا نفسي جاءني في المنام من قال لي إن بيتا في بغداد صفاته كذا وكذا فيه كنز عظيم، فاذهب وخذه. لكنني لم أصدق ذلك. ثم أعطاه ما يستعين به على العودة إلى بغداد. وبمجرد أن عاد التاجر المفلس إلى بيته الذي كان بنفس الأوصاف التي وصفها الوالي، حفر في المكان الذي ذكره له ووجد كنزا عظيما.
الحكاية نفسها استخدمها باولو كويلهو أساسا لروايته “الخيميائي” دون الإشارة إلى المصدر الذي استلهمها منه. لست أدري إن كان أشار إلى هذا في مكان آخر أم لا.
في رواية “اسم الوردة” يوظف مؤلفها إمبرتو إيكو حكاية من “ألف ليلة وليلة” هي حكاية الكتاب المسموم ودون أن يشير إلى المصدر. وقد انتبه مترجم الرواية من الإيطالية إلى العربية أحمد الصمغي إلى ذلك وأشار إلى الحكاية في تقديمه للرواية وأورد ملخصا، نعتمد عليه هنا. يقول الملخص أن حكيما أجنبيا استطاع أن يشفي ملكا من مرض البرص الذي ألم به وحار فيه أطباء المملكة. لم يعط الحكيم الملك دواء صلبا أو سائلا يبتلعه. أو مرهما يدهن به جسده. وإنما طلب منه أن يلعب بالصولجان إلى أن يعرق (لأن الصولجان معمول من مادة تتسرب إلى المسام مع العرق) ثم يستحم، وسيشفى. وكذلك كان الأمر. لكن وزير الملك أدخل في روعه أن شخصا تمكن من شفائه دون أن يعطيه عقارا أو مرهما، قادر على قتله بنفس الطريقة. فيقرر الملك قتل الحكيم. ولما أبلغ الملك الحكيم بقرار قتله قال للملك أن سيهديه هدية ثمينة قبل أن يموت. وكانت الهدية كتابا عتيقا ملتصق الأوراق، ما يضطر الملك إلى تبليل أصبعه بلعابه ومسح طرف الورقة به لتيسير عملية التصفح. لم تكن بالأوراق كتابة. لكن الحكيم كان يحضه على الاستمرار في تقليب الأوراق إلى أن سرى بعض السم الذي في أطراف الأوراق في جسده ومات!
لم يكتف إمبرتو إيكو بعدم ذكر مصدر الحكاية الموظفة في الرواية، بل إنه زعم، في أحد كتبه، أنه استلهمها من مكان زاره شاهد فيه مجسما لكتاب كبير مفتوح! الأمر الذي يدل على أنه كان يخجل من التصريح بالمصدر الأصلي.
النوع الثاني من التأثر بعمل “ألف ليلة وليلة” “ألف ليلة وليلة” تتمثل في وجود حكاية إطارية (هي في الف ليلة وليلة حكاية علاقة شهريار وشهرزاد) تتفرع عنها حكايات أخرى ترويها شهرزاد. ولعل أول من استلهم هذه البنية السردية سرفانتس في روايته التي لا توجد رواية أكثر منها شهرة “دون كيشوت”. فالحكاية الإطارية هنا تتمثل في ترحال دون كيشوت وتابعه سانشو بانشا، وأثناء هذه الرحلة نجد حكايات مختلفة مستقلة عن بعضها. وكذلك هو الشأن في رواية غوغول “النفوس الميتة” يكون إطار الرواية رحلة الإقطاعي الساعي إلى شراء أسماء أقنان موتى من سادتهم الإقطاعيين، فنمر، هنا أيضا، بحكايات منفصلة.
.