“أصحاب الأخدود وخطف الصبايا”
أنيس فوزي
بعد أن انتهى موضوع الرجال، وصاروا بكل ثقة يُخطفون بالجُملة، جماعات وفُرادى، أصحاب توجه واحد أو عائلة واحدة أو جهة واحدة، يُعذبّون بأبشع الطُرق لأنهم تكلّموا عن فلان “الصقر الوحيد الجديد” أو جهة تدّعي أنها “الشرعيّة الوحيدة” أو “الطورة المجيدة” أو “الدين متاعنا” وغيرها من الأسباب في نظر المأزومين، التافهين، فاقدي الكرامة الشخصية .. مثلُ: “رأي على مواقع التواصل” من مواطن ليبي عادي “أكثر من عادي”. أو بسبب نشر صورة “كلب” على إحدى الحوائط استفزّت الحاكم بأمر الله وظنّ أنّهُ المقصود، وأحيانا لا يتعدى السبب كون أن أحد “الأشاوس” لم يجد من يقتلهُ على الفطور، فقرّر أن يعربد على المواطنين، ويقلق أمنهم من أجل أن يُثبت أنه “سي السيّد” وأنه : يا ليبيا، ما فيك إلاّ نا.
وبعد أن صار “الخطف” يُسمّى “اعتقالًا” والكرامة تعني الإذلال، والثورة تعني الدين، والدولة تعني الحاكم، والأمن يعني الخوف، والرفض يعني الموت، ها هي البُشرى الجديدة التي حملها أصحاب الأخدود، الذين حققوا -أخيرا- المساواة في الظلم، وصارت المرأة بقدرة قادر شأنها شأن الرجل، يخطفها مجموعة من الأوغاد الذين فهموا فحولتهم على أنها قانون من قوانين الطبيعة، وصاروا يستعرضون عضلاتهم على أخوات الليبيين وبناتهم.
الليبيون الذين ضربوا عرض الحائط بشرفهم وعرضهم، هم نفسهم الذين أثارت حفيظتهم حفلة تخرج يغني فيها “شاب” مع فتيات في المرحلة الثانوية، وزلزلوا الدنيا من أجل حفلة يوم الأرض، هم نفسهم لم تُثرهم قضية خطف امرأة بين مجموعة من الرجال، في خلوة ليست غير شرعية وحسب، بل غير أخلاقية، وتدلّ على أن شعارات “الغيريّة” و”الشرف” و”المجتمع المحافظ” مجرد جملة كذبها جدّ أحد هؤلاء الأشاوس، وصدّقها من بعده.
سواء الذي خُطف رجل أو امرأة، ليبي أو أجنبي، أبيض أو أسود، يقف في اليسار أو اليمين أو الوسط، سيكون التضامن معه واجبًا، لأن الضمير يجبر صاحبه على ذلك. أما معدومو الضمير فليس على المريض حرج، فالضمير لا يمكن أن تطلبه من أحد إذا لم يكن داخله. والذين يمارسون هذه التصرفات – مهما كانوا – فقد كتبوا نهايتهم بأيديهم، والحفرة التي حفروها لنا سيُحرقون فيها. هذا لأن “الظلم عمره قصيّر” ولأنه لا يخلق إلا العداوات، وكل هؤلاء المغبونين، المظاليم، سيفقدون صبرهم وخوفهم، ويردّون بقوّة. ويومها لن ينفع ندم هؤلاء من سخطٍ أعمى، ولا أعرف كيف يثق المجرمون في خوف الشعوب؟ وقد رأوا بأم أعينهم كيف انهار ملكُ الذين من قبلهم، وكيف خان القادة والزعماء أقرب الناس إليهم.
يا أصحاب الأخدود، خذوا منّي هذه النصيحة، التي قد تنفعكم اليوم، وأتمنّى أن تنقذكم من غضب الناس القادم: وأنتم تحفرون وتعدّون هذه المجزرة، فكّروا في أنفسكم وانظروا لأنفسكم تحتها، انظروا لأقاربكم وأخواتكم وأصدقائكم، انظروا لمصيركم، وضعوا احتمال وجودكم مكان الذين تظلمونهم. افعلوا هذا مرة واحدة فقط، مرة واحدة، ثم واصلوا بعد ذلك خطفنا وقتلنا وسجننا وقهرنا كما شئتم، فلن يطول هذا على أيّة حال.