أخلاق التمييز (3)
فردرك كوفمان
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
تكوين رؤية عامة دقيقة
عندما يطلب من التمييزي أن يبرر (حتى لنفسه) الأعباء التي يوقعها على الناس بسبب عضويتهم في جماعة ما، فسيلجأ حتما إلى واقعة مدعاة ستبرر فعلا، لو صحت، المعاملة الحرمانية. ما لم تكن هذه هي الحال، فإنه لا يمكن للتمييزي استيعاب حتى أفعاله هو نفسه. وبما أن التمييزي يفرض حرمانات عن عمد، فعليه معرفة لماذا هو يفعل ذلك. وعلى أية حال، وطالما أن التمييزي يخطئ بشأن الوقائع والأحكام (أخلاقية أو سوى ذلك) فإنه يؤذي الناس خطأ، وبالتالي دون مبرر. إنهم لا يستحقون معاملته السيئة. لهذا يعد التمييز خطأ.
الأفكار النمطية stereotypes هي تعميمات يمكن أن تتمتع بهذا القدر أو ذاك من الدقة؛ في الواقع الفرق بين منع كل البالغين عشر سنوات من القيادة والتمييز اللا أخلاقي يؤدي إلى التفريق بين الأفكار النمطية الصائبة والمعلومات المضللة بشأن الجماعات المغايرة salient groups. فإذا كان السود ينشرون، فعلا، أمراضا خطيرة في المسابح العامة، فسيكون هذا سببا مقنعا لإقصائهم، وإذا كان المثليون يستغلون فعلا الأطفال جنسيا فهذا سيكون سببا صائبا لمنعهم من أن يكونوا معلمين. إذا كان المهاجرون فعلا يمارسون الاغتصاب وتجارة المخدرات فسيكون ثمة سبب مقنع لمنعهم من دخول البلاد، وإذا كانت النساء فعلا غير قادرات على إصدار أحكام صائبة، فسيكون هذا سببا وجيها لمنعهم، لنقل، من القيادة.
الأفكار النمطية غير الدقيقة، ولكن يتم التمسك بها بقوة، والأحكام الخاطئة ليس من السهل تصحيحها من خلال الوقائع أو المحاججة – على الرغم من الأمر ينبغي أن يكون كذلك نظريا، بما أن التمييزي يعتبر نفسه عقلانيا. وأيا كان الأمر، فطالما أن التمييزيين يعتنقون وجهات نظر معيبة بخصوص الناس الذين يتخذون إزاءهم موقفا تمييزيا، رغم وجود أسباب وجيهة تشير إلى العكس، فإنهم يصبحون موضوعا لنقد أخلاقي آخر. كيف نكون معتقداتنا ونحافظ عليها هو، في حد ذاته، شأن أخلاقي لأن ما نعتقده يؤثر على آخرين، ولأن ترك هذه المعتقدات الخاطئة، بناء على أدلة وحجج صائبة يشكل أساس كرامتنا باعتبارنا نتبنى العقلانية عن وعي.
هل بالغت في عقلنة التمييز؟. لعل هذا مجرد موقف كراهية اختياري لا أرضية له إزاء أناس في جماعة مخصوصة. إلا أنني حين أكره أو أشمئز، بسبب الخوف، أو الخزي، فإنه علي ربط المعتقدات بموضوع عواطفي. لا بد أن أرى أن موضوع كرهي أو اشمئزازي يبرر خزيي. إذا كنت خائفا لا بد أني أعتقد أن موضوع خوفي يمكن له أن يؤذيني. ولذا فعندما يُحَض التمييزيون على التخلي عن كرههم وخوفهم، إلخ فإنهم يجدون، بدون شك، النصيحة مُصادِرة على المطلوب: لماذا علي التخلي عن عواطف أنا محق فيها؟. لا. القضية الواقعية للتمييزيين هي ما إذا كانت الحرمانات التي يفرضونها على أساس من العضوية في جماعة ما لها ما يسوغها، وهذا يمنح معتقداتهم المتعلقة بالجماعة المستهدفة الصلاحية.
ولكن ماذا لو أن الحرمان كان مؤسسا على وقائع مؤكدة؟. أرباب العمل يفضلون غير المدخنين لأن تعرضهم للمرض عادة أقل من المدخنين. مدمنو المخدرات من ذوي الدخل المتدني مرشحون لأن يتحولوا إلى مجرمين صغار. فرق حليقي الرؤوس أكثر استعدادا للعنف. الشخص الذي يعلق راية التمرد على شاحنته الصغيرة من المرجح أنه عنصري. الأشخاص الذين يقودون سيارات بريوس من الأرجح أنهم لبراليون سياسيا، وهكذا. إزاء الأفكار النمطية التي تجد بعض المرتكزات في الواقائع، يكون الاحتمال أن أي فرد من الجماعة المعنية يحوز هذه السمات أو تنقصه. فغالبية النساء لا يمكن أن يكن عاملات في فرق الإطفاء بسبب نقص القوة في الجزء الأعلى من أجسادهن. لكن بعضهن يمتلكن هذه القوة. معظم البالغين عشر سنوات ليس لديهم الاستعداد لقيادة السيارات. لكن بعضهم يمتلك هذا الاستعداد. إذا ما حرمنا شخصا ما بناء على معيار صحيح إحصائيا، إلا أنه يمثل استثناء من هذا المعيار، فإننا لا نعامل هذا الشخص بعدالة. ذلك الشخص لا يستحق أن نفرض عليه هذا العبء، حتى ولو كان الآخرون في الجماعة يستحقون ذلك. وعلى أية حال هذا مختلف عن فرض أعباء على أفراد بناء على معتقدات زائفة أو أحكام غير صحيحة بشأن الجماعة. إذا حرمنا شخصا ما يشكل استثناء من الأفكار النمطية ذات بعض الصلات بالواقع، فهذا لا يعتبر بالنسبة إليَّ فعلا تمييزيا. إنه غير عادل، وينبغي علينا معالجة عدم العدالة إذا كان بإمكاننا ذلك، إلا أنه ليس كل فعل غير عادل يعد تمييزا. التمييز نوع مخصوص من عدم العدالة، التي تتمثل في فرض أعباء بسبب أفكار نمطية مضللة.
يمكننا أيضا التساؤل حول لماذا أصبحت بعض الأفكار النمطية، على نحو ما، صائبة. إذا ما أنتج التمييز السالف فكرة نمطية لها بعض العلاقة بالواقع – من مثل أن حرمان المهاجرين يؤدي إلى فقر أعظم داخلهم، وهذا يؤدي إلى معدل جريمة أعلى – فإنه بالكاد يبدو من العدالة الركون إلى الفكرة النمطية كأرضية لإيقاع مزيد من الحرمان على أفراد الجماعة.
فلنقل إن التمييز يتضمن فرض حرمانات على قاعدة أفكار نمطية مضللة. هذا الاعتبار يمكن تعميمه بحيث يصبح حاويا حالات من نظريات فاسدة (أو على الأقل مستبعدة إلى حد بعيد) إزاء جماعات معينة في الوقت الذي تلعب فيه الأدلة إزاء الجماعة المستهدفة دورا محدودا. هذا يمكن أن يحدث أيضا في الاعتراضات الدينية بشأن المثليين، والزواج المثلي، ووضع المرأة مقابل وضع الرجل، وما إلى ذلك. وعموما، فإن التمييزي المعتمد على أفكار نمطية مضللة، يكون نظريا قابلا للاقتناع بمعلومات تُجرُبية، في حين أن نمط التمييزي الديني لا يكون مستعدا لهذا. فالأسس القائمة عليها معاملته أعضاءَ الجماعة المستهدفة على نحو تمييزي غير مبنية على أدلة تجريبية. ولكن هنا أيضا يكون عبء الإثبات على التمييزي، ما دام عليه التفكير في كون الحرمان الذي فرضه مسوغا عقليا.
قد ترى أن المثال الأخلاقي هو أن تحكم على الناس كأفراد ذوي خصائص وقدرات معينة، وليس لكونهم ينتمون إلى جماعة محددة. إلا أن هذا قد لا يكون واقعيا من الناحية النفسية، وعادة ما يكون غير عملي. لذا فإننا على الصعيد العملي نعمل اجتماعيا بمقتضى أفكار نمطية تتفاوت في درجة دقتها. أكثر من ذلك، بما أن الهوية الاجتماعية تفترض مسبقا عضوية جماعات متنوعة، وبما أنه لا معنى لتخيل أفراد بدون هوية ما، فإن تجاهل العضوية في جماعة يتجاوز كونه مثالا غير واقعي عمليا، إنه خيال. فنحن لا نعيش حالة طبيعية كأفراد مجردين مستقلين عن جماعات اجتماعية. لذا، فبدلا من محاولة تجاهل هذا الواقع، علينا الاعتراف بأن القضية الأخلاقية تتمثل في إيجاد كيفية مشروعة يمكن بمقتضاها معاملة أشخاص منتمين إلى جماعة ما.