فرج عبدالسلام
هذا المقالُ لا يسعى بالضرورة إلى الإثارة وتصيّد الفضائح، قناعة بمقولة “كل ابن آدم خطّاء” وأنّ الحياة الشخصية للناس تخصّهم وحدهم، ما لم تؤثر بطريقة ما على الآخرين. لكن هذا الموضوع يتعلقُ بالرجل الأقوى في العالم، وهو محاولة لإلقاء الضوء على حياته وقراراته وشطحاته التي تؤثّر حتما على مصير الكثيرين في بلده وفي أرجاء المعمورة، ومن هذا المنطلق فقط، يتعيّن على الناس معرفة خبايا هذه الشخصية الغريبة، وبالأخص إذا كان الحديث يأتي من داخل العائلة.
يبدو أن الفضائح والانتقادات ما تنفك تلاحق “دونالد ترامب” فقد قيل الكثير عنه، وسيقال أكثر إذا ما فشل في تجديد ولايته الثانية، كما يبدو الآن على الأقل، وكما يأمل كثيرون، ممّن يرون أن وجوده في هذا الموقع الخطير والحساس، يسيء إلى أميركا وإلى العالم. وقد أبدى البعض جرأة في الكتابة عنه، ومحاولة رفع اللثام عن صاحب هذا الموقع المهم، وعن تصرفاته وأسلوب إدارته للدولة الأكثر تأثيرا في العالم. ولعل أوّل كتاب يتّسم بالجدية في ذكر الوقائع والمراجع، هو “نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض” Fire and Fury: Inside the Trump White House هو كتاب واقعي للمؤلف الأمريكي مايكل وولف، يتطرق فيه إلى تفاصيل السنة الأولى من حكم ترامب. ووجّه مؤلفه انتقاداتٍ وتهما حادة لترامب وللشخصيات المقربة منه، واحتوى تهما وجهها ستيف بانون: المساعد اليميني السابق للرئيس بأن ترامب غير قادر على العمل كرئيس لافتقاده الخبرة، كما وصفه بالجبان وغير المستقر.
ولعل كتاب مستشارِه السابق للأمن القومي، جون بولتون، يعدّ الأكثر إضرارا سياسيا لأسباب عديدة، خاصة أن بولتون يأتي من يمين اليمين المتطرف الذي يُعتبر القاعدة الصلبة التي يستندُ إليها ترامب ويخطب ودّها، وإن كان كتاب بولتون يتطرق إلى شخصية القائد السياسي للأمة الأميركية، ويخلص من خلال حادثات معينة كان شاهدا عليها، إلى أن الرجل لا يصلح لقيادة البلاد، فإن كتاب ابنةُ الأخ “ماري ترامب” يتطرق إلى النواحي الشخصية الدقيقة التي شكّلت وأثّرت على تفكير عمّها، وجعلته يتصرف بالحمق الذي عُرف به، وتأتي أهميةُ وخطورة كتاب ماري من سردها لحقائق من وسط العائلة، بالإضافة إلى كونها اختصاصية معروفة في الأمراض النفسيّة، وبالتالي فقد جمعت الوثوقية من طرفيها، ويأتي سردها وتحليلاتها أكثر مصداقية وإقناعا.
وفي سعيها لمنع ما لا يقل عن “نهاية الديمقراطية الأميركية” كما تبرّر أسبابها لنشر غسيل العائلة الترامبية القذر، تسردُ ابنة أخ ترامب ملحمة طويلة وملتوية من ألعاب العقل والدراما العائلية في كتاب جديد حاولت عائلتها منعه، لأنه يكشف المستور. وربما يُفصح عنوان الكتاب الطويل عن محتواه، وهو: “أكثر من اللازم وغير كاف مطلقا: كيف أنشأت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم” الذي تقدّمُ فيه من خلال معرفتها بطفولته، صورة بشعة للرئيس، وتسعى إلى شرح أكثر سماته تدميراً، والتي تعزوها لخللٍ في التربية، ولوالدٍ متسلط كما تقول عنه.
تصفُ ماري ترامب الخلل الوظيفي في أسرتها “الترامبية” وكأنه شيءٌ خارج من تراجيديا إغريقية ما، فتتحدث عن جدّها “فرِد ترامب” والد دونالد، تلك الشخصية المهيمنة، والذي تم اختزاله في نهاية حياته ليصبح مُحتقرا من ابنه – الرئيس المستقبلي، وتؤكد أن العلاقة بين الرئيس ووالده، كانت دائمًا عنصرًا معقدًا ومحدِّدًا في شخصيته العامة والخاصة.
وكتبت ماري، تصف الحرب النفسية العميقة بين الأب والابن: “لقد أفسد الأبُ قدرة دونالد على تطوير وتجربة الطيف الكامل من المشاعر الإنسانية من خلال تقييد تعبيره عن مشاعره الخاصة وجعل الكثير منها غير مقبولا، وبالتالي أساء إلى فهم ابنه للعالم وأضرّ بقدرته على العيش فيه.” وربما بمتابعة أقوال وأفعال ترامب السابقة واللاحقة نجد أن هذه العبارة قد تكون أصدق ما قيل في تحليل شخصيته.
تصف ماري ترامب عمها دونالد على أنه وكيل لأحلام جدها التي طال انتظارها ولكن لم يتم تحقيقها، والتي تقول إنه مُنع من الحصول عليها لنفسه بسبب شخصيته الرواقية. وأنه في وقت لاحق “كان الأب على استعداد لتقديم ملايين الدولارات لابنه لاعتقاده أنه يمكنه الاستفادة من المهارات التي يمتلكها دونالد – بصفته خبيرًا في الترويج الذاتي وكذابا صفيقا، لتحقيق الشيء الوحيد الذي كان يراوغه دائمًا: مستوى من الشهرة يتناسب مع نفسه ويرضي طموحه بطريقة لا يمكن للمال وحده أن يحققها “.
ومع ذلك، في حياته اللاحقة، بالكاد عومل الأبُ بلطفٍ من قبل الابن الذي ربّاه والذي جعل حياته المهنية ممكنة. بدلاً من ذلك، تصف ماري بالتفصيل عمها دونالد الذي يعامل والده باحتقار مع تقدم مرض الزهايمر لديه. وأنه “عامله بازدراء، كما لو أن تدهورَ صحتهِ العقلية كان خطأه بطريقة أو بأخرى.”
في وقت لاحق، تصفُ المشهد في تجمعات العطلات العائلية وتشبهه بدائرة مستشاري الرئيس الحالية، التي تقول إنها موجودة فقط لمغازلة “الأنا” عند الرئيس وتغذية دوافعه.
إذا كانت هناك سمةٌ بارزة واحدة في حياة دونالد ترامب تتعقبها ابنة أخيه منذ سنواته الأولى، فهي انعزاله المستمر عن العالم – حيث تمت تنشئته جزئيًا عن طريق الغش والأكاذيب – ما سمح له بتطوير حسّ متضخّمٍ لذاته. وبينما تصف الكذب على أنه مستوطنٌ في عائلتها، تقول ماري إن ميل عمّها إلى الكذب كان في المقام الأول “نمطًا من التعظيم الذاتي لإقناع الآخرين بأنه أفضلُ مما هو عليه في الواقع، وأنه في عقل دونالد فقد أنجز كل شيء بمزاياه الخاصة على الرغم من الغش”.
ولعل الجانب الأكثر ظلامية في شخصية العمّ هو معاملته للنساء باعتبارهن “أشياء” ولسن ذواتا بشريّة، وبالتالي يمكنه التصرّف بهن ومعهن كما شاء، وترى أن ذلك يشكّلُ الجانب المهترئ في شخصية زعيم العالم الحر، فكثيرة هي الفضائح الجنسية، والعلاقات خارج مؤسسة الزواج التي تطارد الرئيس الفحل. لكن من المثير هنا، معرفة أن اليمين المتطرف، والإنجيليين الداعمين له من منطلق ديني، لم يروا مطلقا أيّ غضاضة في مغامرات رئيسهم، ومخالفته لكل الوصايا الإنجيلية، عسى أن تتحقق على يديه ما يعتقدون أنها نبوءة مؤكدة وردت في العهد القديم حول قيام دولة إسرائيل في أرض الميعاد.